عود على بدء: ملاحظات أوردتها التظاهرات (ج 2) / محمد حاميدو كانتى | البشام الإخباري

  

   

عود على بدء: ملاحظات أوردتها التظاهرات (ج 2) / محمد حاميدو كانتى

في الجزء الأول من هذا المقال أبدينا بعض الملاحظات حول المظاهرات والمسيرات لذلك الحراك الذي دخل الساحة السياسية مثيرا اهتمام الرأي العام الموريتاني – إذا كان هذا الوصف دقيقا- وتوقفنا في نهايته عند تلك المُسَلّمَة..
في هذا الجزء من المقال نلج من باب الملاحظات إلى بعض المقترحات في نفس السياق؛

ولكن يتوجب علينا – قبل ذلك- أن نلفت عنايتكم الكريمة إلى أن شبه إجماع حاصل حول الهدف اللاّ معلن لكل تلك التحركات عموما، وتجدر الإشارة كذلك إلى انه حتى المنخرطين في تلك التنظيمات النوعية –وهم في غمرة حماسهم- يجهلون أو يتجاهلون ذلك الهدف اعتبارا لما يمكن أن نطلق عليه، حسن النية أو بصورة أدق سذاجة ُمن يشكل قُوتُه جل اهتمامه وتركيزه ما يفتح الباب واسعا أمام أعداء وحدة الشعب الموريتاني –لسبب أو لآخر- لتفعيل تلك التنظيمات المريبة في أساسها؛ كما أنكم لن تفوتوا الانعكاس السلبي لرد فعل النظام على المظاهرات بحيث يزيد تعامله مع القضايا موضوع المسيرات من تعميق وتجذير المشكلات المطروحةِ وبالطبع من غير قصدٍ بافتراض حسن نية السلطة؛ غير انه من المعروف اصطلاحا أن حسن النية بدون علمٍ لا ينتج عملا يؤجر عليهِ، فالنية لا تجزئ إن لم يصدقها الفعل، والفعل لا يمكن أن يكون سليما إن لم يكن عن علمٍ، وهنا ترد مسألة كفاءة النظام؛ وهذه مثارُ جدل الرأي العام، وأما الانطباع العامُّ فجل اهتمامه ينصب في اتجاه تحصيل لقمة العيش – نضع في الحسبان مستوى الوعي عنده- فشعاره عن غير وعي مات الملك عاش الملك، فيما يبقى اهتمام صانعي الرأي العام متذبذبا مرتبطا بحدث الساعة الأبرز في أي نقطة من العالم فلا تستقر أقلامهم عند قضية معينة يسترسلون معها حتى يتم حلها – يميلون حيث تميل الرياح – ما خلق تشويشا أو تذبذبا لدى عامة الشعب؛ وهذه معضلة لن يكون حلها سهلا بالمرة..
إذا ما أردنا أن نكون واقعيين، فسنقول إن مستوى المعيشة متواضع، ومستوى أداء التعليم متواضع، ومستوى أداء الصحة متواضع، ومستوى أداء الزراعة متواضع، ومستوى تشييد البني التحية متواضع.. إلخ، ويمكن أن نبرهن على ذلك ببساطة حين نلاحظ كثرة ورود عبارة، هناك تحسن في قطاع كذا.. ولوحظ أن وضعية كذا تحسنت..إلخ، على لسان أي متحدث باسم الحكومة..
لكنه وبالمقارنة مع تسارع وتيرة ارتفاع الأسعار وانتشار الرمال وسرعة الرياح القادمة من الشمال وأشياء أخرى.. فإن الأمر كله لا يعني أن الحكومة لا تبذل جهدها؛ غير أن المشكلات المتراكمة والمتفاقمة وسهولة دخول مشاكل أخرى مستوردة وبالطبع مجمركة بطريقة ما، تجعل أداء الحكومة يبدو بطيئا في حين يركض هو بأقصى سرعته في محاولة سيزيفية تتخللها انقلابات وديمقراطيات كلها حسنة النية، ترمي إلى انتشال البلاد من ويلات الأنظمة الفاسدة والنهوض بعجلة التنمية وتكريس الديمقراطية وتلك الحقوق المعبر عنها بمصطلحات بات يحفظها حتى من لا يفهمها ولا تعني له شيئا في حقيقة الأمر، إذا تأملتم مليا، كالحريات وحقوق الإنسان والحيوان والرفع من مستوى المعيشة وصون الكرامة والعدالة والمساواة وحقوق المرأة والطفل والعامل والمزارع والمنمي وترقية الإعلام وحرية المسير والتظاهر والإستيعاذ من شماتة الأعداء كذلك.. الخ، وكل ذلك بمقاييس "العم سام – المثالية - ومن والاه"..
لكن النظام يعي أن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، وفي نهاية المطاف يبقى الحال على ما هو عليه وعلى المتضرر اللجوء إلى القضاء؛ وتلك قضية أخرى طويلة تترى...
على أية حال، بما أننا نسعى إلى تحقيق العدالة التي تسع كل مناحي الحياة، فإننا نتقدم إليكم بمجموعة من المقترحات:
أولا: بما أن المشاكل تفاقمت على مستويات مهمة داخل البلاد وخرجت عن السيطرة إلى حد ما فإن إعادة تأسيس الدولة باتت ضرورة وذلك بحل تلك المشاكل من منبتها..
ثانيا: يتعين على النخبة والصفوة أن تسمي الأشياء بمسمياتها سبيلا إلى تعلم المواجهة والمباشرة للتعامل مع المشكلات على علاّتها كما هي، طريقا إلى تجاوزها تهشيما للعوائق دون إعادة التأسيس..
ثالثا: خلق قضاء مستقل أفراده هم صفوة الصفوة يحق لهم تزكية الحكومة وحتى عزلها أو عزل عضو فيها إذا اقتضت الضرورة.. كما يتولى كفالة جميع الحريات والحقوق، فهو مرتكز الدولة، قطاع العدالة..
رابعا: حصر عمل الحكومة في مجالات محدودة انطلاقا من مبدأ الأولوية مرحليا: التعليم والإعلام والزراعة والتنمية والصحة والأمن والدفاع والصناعة والعلاقات الخارجية وحصر وتسيير الموارد "قطاع المالية"؛ ويتولى قطاع العدالة الرقابة والقضاء.
وبذلك سيتم تقليص أعضاء الحكومة (الوزراء) إلى أقل عدد ممكن في بلاد محدودة السكان أصلا ولازال مستوى الوعي فيها بالمواطنة دون المطلوب، ويستعاض عن الكم بالكفاءة والنزاهة..
خامسا:  تقليص الولايات في خطوة تسعى إلى خلق تقارب بين مكونات المجتمع في اندماج أكبر حين تحس شرائح مختلفة أن صعيدا يجمعها في أولى خطوات ترسيخ الانسجام الاجتماعي وتجذيره..
ولو تعقلنا قليلا لفهمنا أن هذا ما نسميه إعادة التأسيس (المرحلة الأولى لدولة مستقلة)...

تصفح أيضا...