قراءة في رواية "بلد العميان " للكاتب الابريطاني( هربرت جورج ويلز) | البشام الإخباري

  

   

قراءة في رواية "بلد العميان " للكاتب الابريطاني( هربرت جورج ويلز)

الوزير محمد فال ولد بلال

البشام الإخباري / أنهيت اليوم قراءة رواية "بلد العميان" للكاتب البريطاني "هربرت جورج ويلز".. وهي واحدة من أشهر الروايات في العالم.. رواية عبقرية وملهمة.. ما إن تقرأها حتى تشعر أنها تلامس شيئا ما بداخلك.. وأنقل لكم بتصرف ما قاله عنها "منير إبراهيم تايه". 
تحكي الرواية عن مهاجرين هربوا من طغيان المحتل الأسباني ثم حدثت انهيارات صخرية عزلتهم عن العالم في وادي غامض مجهول وانتشر بينهم نوع من أمراض العيون أصابهم بالعمى وظلوا يتوارثون هذا العمى على مدى 15 جيلا، حتى نسوا نعمة البصر وعضو العينين ولكنهم استطاعوا تكييف أوضاعهم والتأقلم مع حقيقة عدم وجود البصر بالبصيرة وبالسمع وباللمس والإحساس .. ونسوا ان هناك ما يسمى بنعمة البصر وبالعضو الذي يسمى العينان.
ويظهر هنا بطل القصة.. وهو مغامر شاب يهوى تسلق الجبال .. تلقي به المقادير في بلادهم .. ويلاحظ أن المساكن ألوانها فاقعة غير متناسقة وبلا نوافذ ! ثم يدرك أنه في بلد العميان ويتذكر مقولة "الأعور يصبح ملكا في بلد العميان" فيظن أن بإمكانه أن يجد مكانا له هنا لأنه الوحيد المبصر بينهم، حاول إقناعهم بأنهم عميان وبأن هناك نعمة تسمى البصر يفتقدونها لكنهم لم يصدقوه واعتبروه مجنونا، حاول الفرار ولم يستطع، واضطر للعوده إليهم بعد تعب وجوع ليقر بخطأه ويضع نفسه تحت تصرفهم.. 
كانوا طيبي القلب معه فتقبلوا وجوده بينهم.. ويصادف المغامر فتاة من العميان كانوا يعتبرونها قبيحه لان وجهها مدبب ولها أهداب طويلة مما يخالف فكرتهم عن الجمال ! بينما هو لانه مبصر استطاع أن يعرف أنها أجمل فتيات المدينة، أحبها وتقدم لخطبتها .. فاحتار أبوها، كيف يرضى بهذا المجذوب الذي هبط عليهم من غير موعد ؟؟!! هل يقبل به أم يرفضه ويتركها بلا زواج؟!! 
طلب مشورة حكيم القرية .. فكان رد الحكيم بعد فحص الشاب بأن سبب جنونه هو عضوين مزعجين في وجهه أعلى أنفه "يقصد العينان" وأنه يجب استئصالهما ليكون طبيعيا مثل سكان القرية!! لكنه يرفض.. ويصف لحبيبته المتع والجمال اللذان يراهما بعينيه ولكنها تلمس يده برقة وتقول انها تحب خياله (!!) ولكن يجب أن يضحي إذا كان يحبها، يقبل الفتى الخضوع لعملية استئصال عينيه .. هكذا صار العمى شرطا حتى يرتقى ويقبل به المجتمع ويصبح مواطنا كاملا يستطيع أن يحيا حياة طبيعية مثل الباقين .. فهم لم يكتفوا بكونهم عميان ولم يصدقوا كلامه عن البصر بل اشترطوا أن يصبح مثلهم حتى يعتبرونه مواطنا كاملا ... إما ذلك وإما يحرم من الفتاة التي أحبها التي هي بدورها وإن كانت لا تسخر من قصصه مثلهم ولكنها في قرارة نفسها تعلم أنه مريض وأن مايقوله ليس سوى قصص من صنع خياله.. وفي اليوم الأخير قبل إجراء العملية خرج ليرى العالم للمرة الأخيرة ولما رأى الفجر يغمر الوادي بالوانه الساحرة.. شعر أنه سوف يرتكب جريمة في حق نفسه.. ما الذي نويت أن أفعله.. كيف أقبل أن أكون أعمى وأضحي بحاسة البصر.. واتخذ قراره بان يتسلق الجبال ويهرب ... أخذ يتسلق بكل قوة وتصميم على الهروب، وحين غربت الشمس كان قد بعد جدا عن بلد العميان.. أخذ ينظر للنجوم وهو يبتسم.. 
هذا ملمح من القصة وهي عبقرية في رمزيتها، وتلقي بظلالها على كثير من الأحداث حولنا علنا نعتبر أو نتعظ، فعندما تكون أنت العاقل الوحيد في زمن الجنون .. المتعلم الوحيد في زمن الجهل .. المبصر الوحيد في أرض العميان .. أن تكون قيمك وأفكارك وآراؤك ورؤيتك للحياه في كفة وتقبل المجتمع لك في كفة أخرى.. أن تشعر بأن عقلك وأفكارك عقبة بينك وبين المجتمع ... أو ان ينظر لك المجتمع أنك مواطنا مريضا ويجب علاجك... محكوم عليك بأن تشقى وأن يكيلوا لك الإتهامات بالجنون والتهور والخيانه والعمالة والفلولية.. فما أكثر أصحاب البصر عميان البصيرة بيننا، وما من مبرر لهم غير عمى أبصارنا وبصائرنا فإما ان تستسلم وتصبح مثلهم وإما عذاب أبدي مقيم.

من صفحة الوزير محمد فال ولد بلال