الصحافة والفصاحة والحصافة/ بقلم: سيدي ولد أحمد (رأي حر) | البشام الإخباري

  

   

الصحافة والفصاحة والحصافة/ بقلم: سيدي ولد أحمد (رأي حر)

تشكل كلمة "صحافة" مصطلحا جميلا بالنظر إلى الإيحاءات التي يولد تلقائيا في النفوس، فبمجرد نطق هذا المصطلح أو قراءته يرتفع بنا الخيال إلى مفاهيم جوهرية مثل "العلم" و"التجرد" و"الاستقصاء" و "المثابرة" و"الحقيقة" وإلى لازمة هذه المفاهيم مجتمعة أي ..."المتاعب". وتمويها لهذه المتاعب، غالبا ما يتحلى مهنيو الصحافة ب"خفة الدم" وسرعة البداهة وقابلية فائقة للتكيف مع أصعب الظروف مادية كانت أو نفسية، الشيء الذي يكسبهم"جاذبية" خاصة قادرة على تحييد الدروع مهما كانت طبيعتها وسماكتها.

"صورة نمطية أخرى" عن الصحافة، قد يخطر ببال البعض، إلا أننا لا نريد الخوض في هذا المنحى بقدر ما نريد التركيز على المصطلح بعينه أملا في استنباط ما قد يفيد القارئ في هذا الشهر الكريم.

فكلمة "صحافة" مؤلفة من خمسة حروف مختلفة اثنين باثنين، وسنبدأ بطرح سؤال بسيط يتعلق بعدد الكلمات التي يمكن تركيبها باستعمال هذه الحروف الخمس. للإجابة على هذا السؤال، لا بد أن نحدد ما إذا كنا سنتعامل مع الحروف مجتمعة أم أن بإمكاننا تركيب كلمة باستعمال بعضها دون غيرها، ففعل الأمر "ف" كلمة ذات دلالة إلا أنها اقتصرت على حرف واحد من الحروف الخمسة، وفعل الأمر الآخر "صح" على حرفين و"صاف" على ثلاثة و"فاتح" على أربعة.ولتبسيط الموضوع، لنتفق على استعمال الأحرف مجتمعة، ثم لنتساءل عن عدد الكلمات "الخمسية" التي يمكن تركيبها باستعمال حروف كلمة "صحافة".

وهنا يجب أن نحدد ما إذا كنا نبحث عن الكلمات المتداولة (المعترف بها من لدن المجامع اللغوية العربية) أم أن المهم بالنسبة لنا هي الكلمة متداولة كانت أم غير متداولة، علما بأن هذا الخيار الأخير سيفرز "عرضا" لغويا احتياطيا لا يخضع للقواعد التي أسس لها الخليل بن أحمد وتلميذه سيبويه، رحمهما الله. وعلينا كذلك أن نذلل صعوبة إضافية تتعلق بالنطق، فبتحريك حرف واحد بحركة مختلفة نحصل على كلمة جديدة، علما بأننا لا يمكن أن نبدأ بسكون أو نقبل بسكونين متتاليين، فكلمة "صُحَافَةٌ" تختلف عن كلمة "صَحَافَةٌ"، إلا أنهما متطابقتان في غياب التشكيل.لنبسط الأمر مجددا ولنعتبر الكلمات "الخمسية" دون الاهتمام بتداولها من غيره ودون اعتبار لمسألة النطق (التشكيل)، سنحصل عندها على مئة وعشرون (120) كلمة مختلفة منها "فاحصة" و"صافحة" و"تفاحص" و "حتافص" وغيرها، سنختار من ضمنها مصطلحين متداولين هامين، "فصاحة" و"حصافة"، لعلاقتهما الوطيدة بالمصطلح الأصلي "صحافة". فال"فصاحة" تعتبر مرتكزا من مرتكزات المهنة الصحفية، إذ تعنى برونق الوعاء الذي تقدم فيه المعلومة، وتكاد تكون رديفة للبلاغة والأسلوب. أما ال"حصافة" فتتعلق بمحتوى الخطاب وجوهرهوكنهه، الذي يجب أن يكون سديدا ومحكما وعقلانيا.

سيدي ولد أحمد

تصفح أيضا...