التطرف الاجتماعي والثقافي النائم... أشد من التطرف العنيف القائم | البشام الإخباري

  

   

التطرف الاجتماعي والثقافي النائم... أشد من التطرف العنيف القائم

الولي ولد سيدي هيبه

كان من المعروف في الخارج عن الشعب الموريتاني أنه شعب مسالم، متدين و غير ميال بطبعه الهادئ و في ثقافته التعاملية العالية إلى العنف "التدميري، الأمر الذي جعل الكثيرين يقولون بوسطية معتقدهم الديني وسماحته و يشيدون بممارساتهم الحياتية الخالية من مقومات العنف و ما يجر إليه من التطرف و الغلو. حقيقة لا جدال مطلقا في معظم أجزائها و إن اعتبر على الأعم فيها غياب العنف المادي الصرف من استسهال للقتل كما تبين القارة السمراء و إقدام على التشويه البدني كما في أسيا الوسطى و  جسارة على القهر و الإكراه و الإذلال بقوة السوط و السيف و الإرهاب كما في العراق و سوريا و اليمن؛ لكنها حقيقة يخلخلها بالرجوع إلى الماضي إلى حد بعيد ما استعيض به في بنية المجتمع منذ كان و خلال كل مراحله التي امتدت على مساحة قرون، من إرهاب نفسي ابتكرت له أساليب إرهابية مزجت بين جد السيف البتار و التأويل الغرضي لبعض نصوص الدين الحنيف من جهة و بين لغة سامية التركيب في بنيتها اللفظية، ملحمية في إلياذاتها و فتوحاتها، عالمة في تأويلاتها البيانية و شاعرة في غنائيتها الممررة بتوجيه منهجي إلى داخل العقول، المثبتة في النفسيات و المخالطة للسلوكيات، علما اجتماعيا متكاملا يوزع  الأدوار و يرسخ المفاهيم على خلفية "تراتبية" مثبتة الأركان في المكان و الزمان ظلت تتأصل حتى قَبِلَ كُلُ كِيان مُكرَهًا في سياقها النهائي و على مَضضٍ دَورَهُ الذي سيتحول لاحقا مع الزمن إلى نسب و شريحة و انتماء و فصيل لا يٌكدرُ أو يٌعكرُ صفوَ أيا منها و لا ينقصُ ما قُدر له من مكانة و حيز و ملك.. حقيقة هي الأخرى بطعم العلقم و قد تحولت إلى مصير مفروض و مقبول رَدَمَ هوةَ العنف بين كل هذه الشرائح المشكلة بالنهاية لبنية المجتمع، و حال دون الجهر الصارخ بالعنف المطالب بالسيطرة و الهيمنة من جهة و ذلك المطالب بالحرية و المساواة من جهة أخرى في قدرية ساخرة على خلفية صمت مريب. و هي الوضعية التي تحولت بذلك من مرحلة الصراعات على الوجود و إثبات الذات بكل ما كانت تتطلبه من عنف و سعي لإقصاء الآخر، إلى مرحلة التعايش على أساس:
·        ما أفرز العنف على أشده،
·        و ما اتفق عليه من تطويع بعض النصوص الشرعية لضرورات المرحلة بوصفها مرحلة الاستقرار و التعايش و التكامل و لو في تعمد غياب الندية في المكانة أو المساواة في الحقوق و الواجبات.
و جاء الاستعمار الذي و إن كان بغيضا ـ لا بد أن تُسجل له بأمانة مع التاريخ مزيةُ تنبيه الغافلين إلى حيف الطبقية و النظم الاجتماعية الجائرة و أنها ضرب متقدم من الإخلال بمعتقد الإسلام الذي يسوى بين جميع الناس ـ ليضع هذا الدخيل المجتمع، المفكك شرائحيا ضمن وئام الرضوخ للواقع الذي أسس لنفسه، في حيز الدولة المركزية و يُفتح عقولَ خَيرِيه على ضرورة مراجعة المنظومة القائمة للخروج من منظومة السيبة إلى حيز الدولة المركزية.
و لم يفلح الاستعمار بالطبع، مع عدم جديته المطلقة لحساب مصالحه، في مسعاه و ظلت الأمور تراوح مكانها رغم ازدياد الوعي و ارتفاع بعض الأصوات المطالبة بالخروج من عباءة "الماضوية" و الأخذ بمتطلبات دولة القانون و المواطنة و المدنية.
و تعاقبت على حكم البلاد منذ الاستقلال نظام مدني آحادي و جملة من الأحكام العسكرية من دون إراقة دماء في حالة نادرة في كل القارة و في الوطن العربي حتى هبت رياح الديمقراطية فخالطت الواقع السياسي المزمن و لم تفلح هي الأخرى في إحداث أي تغيير في المنظومة الاجتماعية القائمة التي ظلت على حالها لا تكدرها الدلاء:
·        تؤثر و لا تَعدل،
·        تظلم و لا تُقسط،
·        تهين و لا تَرفع،
·        تؤخر و لا تقدم،
·        لا تبقي من مال و لا تذر
في جنوح مثير إلى سلم واقعها المختل و في بُعد مريب كذلك عن أساليب عصر اتسم بعضُها من حول البلاد بالعنف حتى استتب الأمر و الآخر بعنف أفضى إلى فوضى عارمة أحرقت اليابس و الأخضر. جنوح لسلم محمود في ظاهره يغار منه القريب من الجار قبل البعيد و لكن إذا لم  تسد على عاصفه المشتعل كل النوافذ التي بدأت تهتز لا بد أن يأكل الأخضر القليل قبل اليابس الغالب.
و في هذا الظرف الدقيق من تاريخ البشرية الذي يشهد تضاعف الحروب التي لم تعد أهلية بقدر ما أصبحت من منطلق ثورة فكرية ناشئة و بالدرجة الأولى حقوقية في ظل وعي طافح بتراجع منطق تفاضل الأعراق، فإن مراجعة الإرهاب الاجتماعي و الثقافي و إعداد مقاربة حوله، لرصد حيثياته و كبح تداعيات و إطفاء جمره المتململ تحت الرماد باتت، أولى بتنظير العقول و الخبراء الاجتماعيين و الأمنيين من الاستغراق المفرط في مقاربة الغرب لمحاربة الإرهاب الخارجي و إن كان هذا الإرهاب يتغذي على التخوم و أبعد داخل التنظيمات الإرهابية على بعض أهلينا الذين يظهرون شراسة نادرة و اندفاعا محموما يغيبان عنهم مطلقا عند الإقامة في البلد أو الرجوع إليه انصياعا تلقائيا لإملاءات المنظومة الاجتماعية المتحجرة التي ترفض العنف داخليا ما لم تتفجر و تفصح عن كل مركباته و أسبابه النائمة من غبن و إقصاء و تسلط و تباين و نهب و فساد و اللائحة طويلة يندى لها جبين دولة العدل و المواطنة.

تصفح أيضا...