عام 2020 .... الأخطر على المدينة المقدسة ( القدس الشريف) | البشام الإخباري

  

   

عام 2020 .... الأخطر على المدينة المقدسة ( القدس الشريف)

البشام الإخباري/ لم يكن عام 2020 سهلاً على العالم، ولكنه عندما تعلق بالقدس فإنه شهد آثاراً ربما تكون أقسى على المدينة المقدسة ومقدساتها من الأعوام السابقة.

ذلك أن جائحة كورونا لم يكن أثرها في القدس مقتصراً على الشلل الاقتصادي والآثار الاجتماعية كما عليه الحال في بقية دول العالم، وإنما كان لهذه الجائحة آثارٌ سلبيةً كبيرةٌ تجاوزت الاقتصاد إلى الوضع السياسي والداخلي.

ونحن نعيش في أول يوم من عام 2021 لابد لنا من وقفةٍ نراجع فيها الأحداث التي مرت بها القدس خلال هذا العام، ونرى كيف كان أثر هذه الأحداث على الوضع الجديد الذي وجدت القدس فيه نفسها مع بداية العام الجديد 2021 الذي يدخله المقدسيون بترقب، خاصةً مع الضباب الذي يحيط المنطقة والعالم بعد سقوط ترمب في الانتخابات الأمريكية واستمراره في رفض نتائج الانتخابات، وحل الكنيست الإسرائيلي ومؤشرات معركةٍ انتخابية شرسة جديدة في إسرائيل، إلى التطبيع العربي الرسمي مع إسرائيل، والذي تجاوز في بعض الحالات – كحالة الإمارات – التطبيع السياسي إلى انحياز واصطفافٍ كاملٍ مع إسرائيل مع إعلان العداء لكل ما تمثله فلسطين والقضية الفلسطينية وعلى رأسها القدس ومقدساتها.

يمكن القول إن أغلب أحداث عام 2020 في القدس وتداعياتها دارت بشكل كبير حول المسجد الأقصى المبارك، حيث كانت بداية عام 2020 مبشرةً في القدس مع انطلاق حملة (الفجر العظيم)، حيث كان آلاف المقدسيين يحرصون على أداء صلاة فجر يوم الجمعة أسبوعياً في المسجد الأقصى المبارك، خاصةً وأن إحصائيات جماعات المعبد المتطرفة لاقتحاماتها لعام 2019 بينت أن الزيادة في ذلك العام عن العام الذي سبقه 2018 بلغت 477 متطرفاً فقط، وكان السبب في هذا الجمود في أعداد المتطرفين المقتحمين للأقصى في ذلك العام متعلقاً بالدرجة الأولى بأحداث هبة باب الرحمة في فبراير 2019. لينطلق عام 2020 مع أعداد كبيرة من المقدسيين وفلسطينيي الداخل تعمل باستمرار على حشد الأعداد الكبيرة في المسجد الأقصى المبارك فجر كل يوم جمعة، الأمر الذي أرَّق الاحتلال واستفزه لدرجة اقتحام المسجد ومهاجمة المصلين بالرصاص المطاطي أكثر من مرة في بدايات العام.

على أن سلطات الاحتلال كانت في ذلك الوقت تنشط في اتجاهٍ آخر، وهو محاولة فرض نفسها باعتبارها صاحبة السيادة على القدس وكل ما فيها بموجب ما يسمى "صفقة القرن" التي أعلنت بنودها بداية العام 2020، وجاءت هذه الخطة لتضع القدس خارج المعادلة كما وعد الرئيس الأمريكي ترمب، وتفرض معادلةً جديدةً في المسجد الأقصى المبارك تقوم على اقتصار مفهوم (المسجد الأقصى) على مبنى الجامع القبلي الذي يشكل مساحةً لا تتجاوز 3.5% من مساحة المسجد الأقصى الكاملة، وتجعل بقية مساحة المسجد مفتوحة "لجميع الأديان للعبادة" لا "للزيارة" لأول مرةٍ منذ الاحتلال الإسرائيلي.

وبدأت سلطات الاحتلال مع بداية العام تعمل بناءً على هذا المفهوم في المسجد وحوله، حيث عملت على ترميم الأسوار الجنوبية الغربية دون التنسيق مع الأردن ودون إعطاء أدنى اعتبار للوصاية الأردنية الهاشمية على الأماكن المقدسة في القدس.

لكن العقبة التي بقيت تواجه المؤسسة الرسمية الإسرائيلية في هذا الأمر تمثلت في ذلك الوقت بحملة (الفجر العظيم) الشعبية، وبالأزمة الخانقة في الانتخابات الإسرائيلية التي أعيدت ثلاث مرات في سنة واحدة في أزمةٍ سياسيةٍ غير مسبوقة.

لكن طوق النجاة لدولة الاحتلال في القدس جاء متمثلاً في جائحة كورونا. فبالرغم من الآثار الاقتصادية الكارثية التي شكلتها الجائحة بسبب تعطل الأعمال والحركة التجارية والبشرية، إلا أن سلطات الاحتلال حاولت بكل قوتها الاستفادة من هذه الجائحة في وقف المد الجماهيري الشعبي المقدسي، حيث حاول وزير الأمن الداخلي حينها – جلعاد أردان – منع الصلاة في المسجد الأقصى المبارك بحجة كورونا، إلا أن الممانعة الشعبية حالت دون ذلك حتى انتهى الأمر للأسف باتفاق ادعت صحيفة (يسرائيل هيوم) – المقربة من مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي – الوصول إليه بين الأردن وإسرائيل على إغلاق المسجد الأقصى المبارك بحجة منع انتشار الفيروس في القدس، على أن يشمل الإغلاق المسلمين والمتطرفين الإسرائيليين كذلك.

وبغض النظر عن صحة أو عدم صحة الوصول إلى اتفاق من هذا القبيل، فإن النتيجة كانت إغلاق المسجد الأقصى المبارك سبعين يوماً واقتصار إقامة الصلوات فيه على موظفي الأوقاف. وهذا ما أدى بدوره إلى تراجع الوجود الإسلامي في المسجد وتقويض فكرة (الفجر العظيم)، وأعطى لأول مرةٍ ذريعةً للاحتلال الإسرائيلي للتعامل مع المسلمين واليهود في المسجد الأقصى المبارك على قدم المساواة، فأصرت قوات الاحتلال عند الإعلان عن إعادة فتح المسجد الأقصى على أن يكون فتحه يوم الأحد لا يوم الجمعة، بحيث يكون فتح المسجد للمسلمين واليهود في نفس الوقت، وهو للأسف ما حدث.

ثم جاء وزير الأمن الداخلي الحالي أمير أوحانا ليطور الأمر ويعطي أمراً بالسماح لأفراد جماعات المعبد المتطرفة بالصلاة علانيةً داخل المسجد الأقصى المبارك – في تطبيقٍ لما ورد في خطة كوشنر المعروفة باسم "صفقة القرن" – وتأسيس مدرسة دينية يهودية عنوانها المعلن هو المسجد الأقصى المبارك نفسه، وشكل ذلك تراجعاً خطيراً فيما يتعلق بالوجود الإسلامي وقوته في الأقصى على الأقل من الناحية الرسمية.

صاحب ذلك استغلال الاحتلال لهذا التراجع في تنغيص حياة المقدسيين بحجة إجراءات مكافحة فيروس كورونا، فلم تقم دولة الاحتلال مثلاً بتخفيف الضرائب على منازل المقدسيين ومحلاتهم التجارية، مما أدى إلى اضطرار عدد منها للإغلاق، وفي نفس الوقت لم تتوقف سياسة هدم المنازل وطرد المقدسيين من بيوتهم بالرغم من الجائحة، حيث أقدمت قوات الاحتلال عام 2020 على هدم 118 منزلاً في مختلف أحياء المدينة المقدسة، كان منها 78 منزلاً أجبرت قوات الاحتلال أصحابها على هدمها بأيديهم.

هذا إضافةً إلى الغرامات المرتفعة التي فرضتها قوات الاحتلال على المقدسيين بحجج مختلفة ليس أقلها عدم ارتداء الكمامات بالشكل الصحيح كما تدعي هذه القوات، إضافةً إلى عمليات المنع من دخول المسجد الأقصى المبارك ومنع التحرك بحريةٍ في المدينة. كل ذلك بحجة مكافحة كورونا، علماً بأن الحكومة الإسرائيلية لم تطبق مثل هذه الإجراءات على الجانب الإسرائيلي وخاصة المتدينين اليهود الذين رفض عدد من حاخاماتهم الانصياع للإجراءات الصحية المفروضة، إضافةً إلى استمرار التظاهرات الإسرائيلية في شوارع القدس للمطالبة بإسقاط حكومة نتنياهو دون أن تتعامل سلطات الاحتلال معهم بنفس الأسلوب الذي يعاني منه المقدسيون.

ولكن لعل الضربة الأقسى والأقوى التي تعرض لها المقدسيون – وعموم الشعب الفلسطيني – عام 2020 تمت للأسف بأيادٍ عربية مسلمة، حيث شكل اتفاق تطبيع العلاقات بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين والسودان والمغرب أخيراً ضربات موجعةً للفلسطينيين عموماً والمقدسيين خصوصاً.

وقد خصصنا أهل القدس هنا بالذكر بعد ما شهدته الساحة المقدسية من استفزازات غير مسبوقةٍ قام بها مطبعون من دولتَي الإمارات والبحرين بالذات، حين أقدم وفد منهم على اقتحام المسجد الأقصى المبارك بحماية قوات الاحتلال من باب المغاربة الذي يستعمله المستوطنون لاقتحام المسجد، إضافةً إلى رفع العلم الإماراتي في ساحة البراق الشريف أمام المسجد الأقصى المبارك والمشاركة في احتفالات إضاءة الشمعدان أثناء عيد "الحانوكاه" أمام حائط البراق الشريف الذي يعد جزءاً من المسجد الأقصى المبارك بحسب القانون الدولي الذي أقره تقرير عصبة الأمم عام 1930م، إلى غير ذلك من الإجراءات التي تجاوزت في فجاجتها حتى أحلام أعتى متطرفي الاحتلال الإسرائيلي!

عام 2020 كان عاماً قاسياً على القدس وقاسياً على المسجد الأقصى المبارك، تراجع فيه الدور العربي الرسمي بشكل كبير، وتحول في بعض الدول إلى تواطؤٍ كاملٍ ومفضوحٍ على تهويد القدس وتصفية القضية الفلسطينية لصالح الاحتلال. وهذا ما يعني أن عام 2021 سيكون عاماً حافلاً بالمفاجآت والأحداث في المدينة المقدسة.

على أن العامل الأبرز الذي يٌتوقَّع أن يكون له الدور الأكبر في رسم خريطة الأحداث لن يكون الإدارة الأمريكية الجديدة التي ستنشغل في رأب الصدع في المجتمع الأمريكي الذي تسبب فيه ترمب وسياساته الداخلية، ولن يكون حكومة الاحتلال التي تترنح الآن تحت ضغط انتخابات قادمة أشد حدة من سابقاتها، ولا التخاذل والتواطؤ العربي، بل سيكون العامل الأبرز هو الشعب الفلسطيني في القدس والداخل.

فالشعب الفلسطيني أثبت ولا زال يثبت أنه العامل الذي تخطئ الحكومات والقوى الإقليمية والدولية كل مرةٍ في إغفال – أو تناسى – دوره وقدراته الكبيرة، ويثبت هو في كل مرةٍ أنه الثابت الوحيد الذي لا يتغير. فهذا الشعب أطلق هبة القدس عام 2015، وانتصر في هبة باب الأسباط عام 2017، ثم أكد قوته وثباته على الأرض عام 2019، والمفارقة أن ذلك كان بفارق عامين اثنين بين كل حدث من هذه الأحداث، فهل سنكون أمام انتفاضةٍ أو هبة شعبية جديدةٍ في القدس عام 2021؟

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عنTRTعربي