المنظمات غير الحكومية .. استعمار جديد يغزو إفريقيا | البشام الإخباري

  

   

المنظمات غير الحكومية .. استعمار جديد يغزو إفريقيا

يعود إلى الواجهة هذه الأيام والعالم على أعتاب تغيرات مضطربة ومضطردة، سياسيا ومناخيا، خطاب شهير لتيمبو نولوتشانجو مدير مؤسسة السوق الحرة في جنوب إفريقيا. الذي يحذر فيه من التدخل الغربي المتواصل في إفريقيا. الذي وإن اختلف أخيرا في النوع، من حيث كونه أصبح يأخذ صيغا مدنية تضفيها عليه منظمات توصف بأنها غير حكومية، مقارنة بطبيعته العسكرية الاستعبادية في القرن التاسع عشر، إلا أنه يبقى - بحسب نولوتشانجو - تدخلا سافرا كان يفترض أن يزول بزوال الاستعمار.

ويضيف، بعد مغادرة القبعات العسكرية والبدلات الضيقة إفريقيا، وُلد استعماريون جدد: المنظمات غير الحكومية الموجودة هنا لحفظ إفريقيا من كل شيء، من الغذاء المعدّل وراثيا إلى العولمة! تتكون المنظمات غير الحكومية من جماعات المستهلكين، الفرق الإنسانية، ومؤسسات التنمية الخيرية، التي توحدت في الاعتقاد أن الحضارة الصناعية الحديثة، والأرباح والمنافسة ليست أخلاقية. من وجهة نظرهم، ستتم خدمة الأفراد، خصوصا في الدول النامية، بشكل أفضل بواسطة الأنظمة الشاملة وتدخل الدول الذي يفضل إعادة توزيع الثروة على الدينامية التي أثْرت الغرب وبعض الدول الآسيوية مثل تايوان، واليابان وكوريا الجنوبية.

لكن على الرغم من ادعاءاتها بأنها تمثل مصالح الفقراء، جاءت عدة فئات فقط من المنظمات غير الحكومية المسجلة في الأمم المتحدة من الدول النامية، والأغلبية الساحقة من الولايات المتحدة الأمريكية، وكثير من بريطانيا، وفرنسا وألمانيا.

لهذه المجموعات تأثير يفتح الطرق لأبعد من حجمها. عديد من الدول الأفقر ليس لديها المقدرة على تشكيل سياساتها الخاصة بالخدمات الاجتماعية مثل الصحة، لذلك فهي تتعاقد بشكل فرعي مع منظمة الصحة العالمية التي استُعمرت من منظمات غير حكومية عملت كاستشاري سياسات يلعب دورا كبيرا في تشكيل النصائح الفنية للدول الأعضاء مع أن "مختصي" المنظمات غير الحكومية يعملون بشكل خاطئ وباستمرار.

خذ مثلا مرض الإيدز. بسبب عدم إمكانية الشفاء، الطريقة الوحيدة لمواجهة انتشار الوباء تفضيل استخدام الوسائل الوقائية لوقف تزايد عدد الإصابات سنويا. بالطبع، المعالجة ضرورية لكن ليس لدرجة استثناء الوقاية. ومع ذلك، ضغطت المنظمات غير الحكومية بشدة للحصول على معظم الأموال العامة من أجل صرفها على برامج المعالجة الدوائية للذين أصيبوا فعلا، مع أن الدول الأشد إصابة لا يوجد فيها أطباء وعيادات لإدارة الدواء.

خضعت منظمة الصحة العالمية للضغط، وهكذا استمرت الإصابات في الزيادة وأصبحت المعالجة غير منظمة.

حصل شيء مشابه بالملاريا: سيطرت دول من الهند إلى جنوب إفريقيا بنجاح على الملاريا بواسطة رش داخل البيوت بالـ "دي دي تي". روّج ناشطو البيئة والمنظمات غير الحكومية لقصص مرعبة وغير منطقية من الولايات المتحدة الأمريكية للسيطرة على المبيد وضغطوا من أجل حظره. فأوقفت منظمة الصحة العالمية التوصية باستخدامه في التسعينيات وحظر بشكل فعال. فازدادت الملاريا عالميا. وحديثا، أعادت جنوب إفريقيا إنتاج مبيد الرش الـ "دي دي تي"، وانخفضت الحالات!

أخافت المنظمات غير الحكومية الغربية أيضا المستهلكين الأوروبيين، ودفعتهم إلى عدم شراء المحاصيل المعدلة وراثيا التي تزرع في إفريقيا، وصعّبت الأمر على المزارعين الذين يصدرون للاتحاد الأوروبي من أجل إعالة أنفسهم.

كما عملت المنظمات غير الحكومية على مستوى الحكومات المحلية أيضا، من خلال النصائح المباشرة للحكومات الإفريقية. واهتمت الحملة الأخيرة بالعلاقة بين الملكية الفكرية والصحة العامة. إذ جادل الناشطون لعدة سنوات بأنه، وللتطور البطيء جدا من أدوية الأمراض الاستوائية في الدول الأفقر، منعت براءات الاختراع ذلك، وهذا ظلم موروث حسب ادعائهم.

استخدم الناشطون هذا الادعاء لدفع منظمة الصحة العالمية إلى عقد معاهدة للأبحاث والتطوير الطبي يحدد بموجبها البيروقراطيون، وليس الأسواق، ما هي الأمراض التي سيتم إجراء بحوث عليها. وأملوا أنه لو استثنيت الأرباح من المعادلة، فإن ذلك سيدخلنا إلى عهد خيالي جديد تنفجر فيه قنبلة من الأدوية الرخيصة التي ستتوافر مجانا للفقراء بغض النظر عن حقيقة أن عمليات الأبحاث والتطوير التي قادتها السوق أنتجت الأغلبية الساحقة من العلاجات المتاحة في الدول الغنية والفقيرة بتكلفة بسيطة - أو بدون تكلفة - على دافعي الضريبة. ستضعف هذه المعاهدة أيضا حقوق الملكية الفكرية، وستمكن أي حكومة من نسخ الأدوية المرخصة، وتزيل الحوافز إلى الأبحاث والتطوير الابتكارية.

لقد حققت المنظمات غير الحكومية ذلك بالضغط على الحكومات الإفريقية في منظمة الصحة العالمية: المتشابهات بين أدب حملات المنظمات غير الحكومية والموقف الرسمي لكينيا، المؤيد الرئيسي لهذا المخطط، كثيرة وليست محض مصادفة.

بالطبع، حكومة كندا لديها أسبابها الخاصة لدعم هذا المخطط، لحماية صناعتها الدوائية وتحويل اللوم في فشلها الخاص في الرعاية الصحية على الأجانب مثل الشركات الدوائية الدولية! كان لأعضاء المنظمات غير الحكومية المنادين بالسياسة الدولانية تأثير كبير في الرأي العام، وفي أيديولوجيات الأمم المتحدة والحكومات الإفريقية، على الرغم من أن مقترحاتهم لم تعمل في بلادهم؛ في الغرب. وقبل أن نأخذ بنصائحهم، يجب أن نقرأ الوصفة بعناية، وبخلاف ذلك سنعاني آثارا جانبية خطيرة.