عبد الله ولد سيديا يكتب: تصبحون على ذهب | البشام الإخباري

  

   

عبد الله ولد سيديا يكتب: تصبحون على ذهب

قديما قال الفيلسوف الألماني فرديرك هيغل "إن سراب الثروة يعمي القلوب لكن الأمل في تحقيقها أشد فتكا بالحالمين"
مقولة تتجسد اليوم في جحافل جرارة تنطلق إلى ربوع تازيازت بحثا عن المعدن النفيس،يحدوها أمل كبير في العثور على ثروة يؤمن الكثيرون أنها استقرت قي باطن تلك الأرض الجرداء منذ آلاف السنين ، تصديقا لنبؤات الولي الصالح والعالم الجليل الشيخ محمد المامي رحمه الله وهو القائل في وصف أرض تيرس وإنشيري
" أرض من المعادن حطرا **** بيها كلت إيدوارن
زغبت فروتها ماتبرا****** من طول اجرب فيها حارن
وطبعا تكالبت الشركات الأجنبية على معادن هذه الأرض منذ عهد ميفورما الفرنسية إلى عهد الشركة الكندية "كينروس تازيازت موريتانيا" التي ضربت مثلا غير مسبوق في الجشع الذي فاق حتى عهود الاستعمار،باستغلالها لثاني أكبر منجم للذهب في العالم دون أن تستفيد خزينة الدولة أكثر من ثلاثة في المائة بينما استفاد أركان النظام الموريتاني من رشى بملايين الدولارات بحسب ماكشفت عنه تحقيقات مسؤولي الخزينة الأمريكية اللذين وجهوا لهذه الشركة اتهامات بالتهرب الضريبي والرشوة .
اليوم يعود الحديث عن الذهب من البوابة الشعبية، حيث يتزاحم الآلاف من الشبان والشيوخ على وزارة المعادن بحثا عن رخص التنقيب ،ويتكبدون مشاق البحث عن المعدن النفيس في صحراء قاحلة، يعميهم البريق الأصفر عن كل هم ومشقة فكيف تفجرت حمى الذهب؟ وكيف انتشرت كالنار في الهشيم؟
من طرائف هذا الذهب أنه يذيب الفوارق بين الطبقات فالكل مندفع بيضا وسودا وملونين في رحلة البحث عن الملايين. ثم إنه غير متاح للجميع فالباحث عنه أيضا يحتاج إلى الملايين لشراء الأجهزة وتأجير السيارات العابرة للصحاري وزادا ومؤونة وصحبة حتى لايضل الطريق.
ولأن حكومة الجبايات في جمهورية البرتقال لايمكن أن تضيع فرصة ثمينة كهذه فقد سارعت إلى فرض ضرائب جمركية مرتفعة على أجهزة التنقيب وحددت أسعارا باهظة للتراخيص ووعدت بشراء ذهب المغامرين إن هم عادو بشيء من رحلة الصيد القائظة هذه.
مازال الوقت مبكرا للحكم على حقيقة وجود الذهب بهذه السهولة من عدمه لكن يبدو من الغرابة بمكان أن حمى ذهب تازيازت التي ذهبت بعقول الكثيرن أختارت توقيتا ملائما لمن يريد التغطية على أحداث سياسية جسام وإخفاق اقتصادي غير مسبوق في تاريخ الجمهورية حديثة النشاة، حديثة العهد بأحلام الثراء السريع.
تفجرت حمى ذهب تازيازت في وقت ارتفع فيه صخب التعديلات الدستورية، وأضحت طموحات المأمورية الثالثة
رسائل يبشر بها الوزراء المتزلفون، وعندما تحطم جس النبض الدستوري هاذا على صخرة الرفض لدى غالبية الموريتانيين، تفتقت عقبرية منظري هذا النظام، عن فكرة جهنمية حيث يعمي بريق الثروة أعين الجميع عن السياسة وغيرها، وحيث ستتجه أنظار المطحونين والمسحوقين إلى الذهب ومقالعه، فلاتقتلع المعتدين على دستور الجمهورية.
هذه الفكرة عدى عن أهميتها في التعمية السياسية فهي مستمرة زمنية فلا أطماع الثراء ستنتهي ولا شائعات الذهب أو رمال الصحراء ستحدها طموحات المنقبين ثم إن أساطير الذهب التي باتت أشبه بالملاحم ستحمل كل يوما وافدين جدد إلى أحضان الصحراء وتفرغ الوطن من طاقاته الشابة التي كانت ستتفرغ لمقارعة الظلم والاستبداد وطموحات الاستمرار في السلطة، وأضحت هذه الطاقات اليوم مهمومة بالذهب حالمة به تاركة الوطن لأيدي العابثين.