أول تعديل دستورى مثيربموريتانيا (*) | البشام الإخباري

  

   

أول تعديل دستورى مثيربموريتانيا (*)

عاشت موريتانيا منذ استقلالها عن فرنسا أزمات سياسية واقتصادية كبيرة، وظلت النخب المتعاقبة على تسييرها تضغط باتجاه تمرير القوانين والتعديلات الدستورية المكرسة لنظرتها السياسية، رغم معارضة بعض النخب المتمسكة بحماية الديمقراطية وتكريس دولة المؤسسات، رغم مساندة قوى أخرى للرئيس مهما كانت هويته وانتمائه.

وقد شكل تعديل الدستور 28 فبراير 1961 أول تعديل دستورى غير توافقي، تم إقراره لتعزيز سلطة الرئيس وتقويض المسار الديمقراطى بالبلد، مع مباركة النخب المنضوية تحت لواء الحزب الحاكم ، وظهور أصوات قليلة رافضة للمساس بالدستور فى ظل الخلاف القائم داخل البلد أو المس من مكانة المؤسسة التشريعية.

ويقول مؤلف كتاب موريتانيا المعاصرة الباحث سيد أعمر ولد شيخنا ( صفحة 87) إن التعديل طرح داخل المجموعة البرلمانية للحزب الحاكم، وقد أثار أزمة سياسية كبيرة، لكن تم تمريره بأغلبية 17 صوت ومعارضة أربعة أصوات، وقرر تسعة نواب التزام الحياد، بعد نقاشات أستمرت عدة أيام داخل العاصمة نواكشوط.

وقد عارض رئيس الجمعية الوطنية سيد المختار ولد يحي أنجاي تمرير الدستور فى ظل أجواء الخلاف، وتقويض صلاحيات البرلمان لصالح المؤسسة الرئاسية، فقرر الاستقالة من منصبه يوم 15 مارس 1961، قائلا إنه لن يكون شريكا فى لعبة تهدف إلى تقويض المسار الديمقراطى، وهو ما أثار ضجة كبيرة داخل البلد.

وقد كانت أسوء فقرة فى التعديلات الدستورية هى مصادرة الحزب الحاكم لحق الناس فى الترشح للبرلمان، من خلال اشتراط موافقة مكتوبة من الحزب لأي متقدم للانتخابات التشريعية فى البلد.

 

وبعد نقاش مستفيض تقرر اختيار "حمود ولد أحمدو" باعتباره أحد رموز الشرق الموريتانى، وأحد أقطاب التيار التقليدى، وتم الإعلان عن انتخابه رئيسا للبرلمان فى الثانى من مايو 1961 بالإجماع.

وقد يقول سيد ابراهيم ولد محمد أحمد فى كتابه "الحزب الواحد وتطورات الحياة السياسية فى موريتانيا (الصفحة 113) إن الرئيس المختار ولد داداه دخل فى تفاوض مباشر مع المجموعة البرلمانية القوية من أجل تمرير التعديل الدستورى مقابل التعهد بعدم حل الجمعية الوطنية قبل انتهاء مأموريتها، وفى 30 مايو 1961 تم إقراره بموافقة 31 من أعضاء الجمعية الوطنية، وامتناع عضو واحد عن التصويت، ومعارضة اثنين هما : محمد الأمين ولد الغرابى و"مامادو لمين قي"، وقد قررا الاستقالة من البرلمان فور إقرار التعديل الدستورى، وبعدهما أستقال سيد المختار ولد يحي أنجاي من البرلمان هو الآخر قائلا " لقد قررت إنهاء التعاون الذى لم يعد ممكنا مع الحكومة لأن الآمال التى ولدت منذ 17 مايو 1959 كانت قد تلاشت" .

لكن الانسجام بين القوى التقليدية والمختار ولد داداه لم يعمر طويلا، فقد تفجرت الخلافات الداخلية فى مؤتمر الوحدة المنعقد 21-25 دجمبر 1961 بعد دعوة ولد داداه لإبعاد المشاييخ من الواجهة السياسية.

وبعد أن وصلت الخلافات إلى  طريق مسدود قدم رئيس الجمعية الوطنية حمود ولد أحمدو استقاله من البرلمان فى الرابع عشر من نوفبمر 1962 مستغلا افتتاح الدورة البرلمانية لتوجيه خطاب معارض لنظام المختار ولد داداه قائلا فى كلمته لنواب الجمعية الوطنية " إنكم وحدكم الممثلون لسيادة الشعب حينما لايتم عنها التعبير مباشرة، إنني لست خصم الأحزاب السياسية، لكنني فضلت دائما أن تكون اختصاصات البرلمان والحكومة ذات طبيعة متميزة عن دور الأحزاب السياسية. فالحزب لايمكنه البقاء فى البلاد إلا إذا احترم قواعد الديمقراطية التى تغذى مؤسساتنا، إلا إذا كان مقادا من طرف أشخاص منتخبين شرعيا، إلا إذا أحترم الحقائق الجغرافية الاجتماعية والإثنية التى تشكل شعبنا".

وقد انفجرت الأزمة من جديد بين النواب والرئيس المختار ولد داداه الذى حاول الدفع بالنائب " الشيخ سعدبوه كان" لخلافة "حمود ولد أحمدو باعتباره مقربا منه ومضومن الولاء، لكن القوة الصلبة داخل البرلمان أقدمت على خطوة مربكة من خلال الزج بالنائب "سليمان ولد الشيخ سيديا " لرئاسة الجمعية الوطنية.

ويقول ولد "هيبه همدى إن مسير البرلمان "يحي كان" هو الذى أقنع سليمان ولد الشيخ سيديا بالترشح قائلا إن لديه الأغلبية الضامنة لفوزه، وهو ما أعتبره المختار ولد داداه استفزازا له.

كما تقول رواية أخرى إن الأمين العام لوزارة الدفاع  والرجل القوى داخل النظام " محمد ولد الشيخ أحمد محمود " والأمين لحزب الشعب "أحمد باب ولد أحمد مسكه دفعاه أيضا للقرار، وهو ماقلب موازين اللعبة السياسية بموريتانيا فى تلك الفترة. 

(*) كتاب : موريتانيا المعاصرة .. شهادات ووثائق

زهرة شنقيط