حرب الطرقات في موريتانيا | البشام الإخباري

  

   

حرب الطرقات في موريتانيا

محمد المختار آبكه صحفي موريتاني

عاشت موريتانيا منذ شهور على وقع ورشات تشييد الطرقات لتبدو فى حلة زاهية استقبلت بها ضيوفها الذين حضروا للمشاركة فى القمة العربية السابعة والعشرين ولكن الأدهى والأمر أن هذه الطرقات ستكون ساحة للحرب الأهلية الدائرة فى البلد منذ سنوات فعلى هذه الطرقات تلاحظ مشاهد تتفطر لها القلوب.
الآلاف من السيارات بسائقين، نصفهم -على الأقل- يجب أن يكون في مستشفى الأمراض العقلية. 
والراجلون أيضا يتصرفون وكأن لا شيء في العالم اسمه قانون السير. ووسط كل هذه الفوضى، هناك آلاف القتلى كل عام في حوادث سير تشبه حربا أهلية لا يهتم بها أحد. 
على الطرقات، لا أحد يعترف بأحد، وكل واحد يريد تطبيق قانونه الخاص.. السائق يخرج رأسه من السيارة ويصرخ في أحد ما: :"يبوي بعّد لا أتموت".. بعد ذلك يكون نفس السائق مترجلا ويرتكب الخطأ نفسه ويسمع بدوره شتيمة من نفس العيار. السائقون يشتمون الراجلين والراجلون يشتمون السائقين والجميع يشتم الجميع.. نشتم بعضنا ونرتكب نفس الأخطاء، وكل واحد منا يعتقد نفسه المتحضر الوحيد في هذه البلاد والباقون مجرد نزلاء طب "جاه ".
أفراد أمن الطرق يفرضون غرامات على السائقين المخالفين ، وحين يقودون دراجاتهم النارية أو سيارات الأمن لا يعترفون بألوان اسمها الأحمر أو الأصفر.. رجال القانون فوق القانون. هنالك أيضا منطق القوة في مسألة احترام قوانين السير، فسائق الشاحنة يتصرف مع القوانين بطريقة مختلفة عن تعامل سائق سيارة صغيرة معها، لأن الذي يركب عربة كبيرة وقوية يتصرف بعجرفة ويعتبر أنه فوق القانون. ولو أن سائق الشاحنة نفسه ركب سيارة صغيرة لتصرف بطريقة مختلفة.
سائق سيارة الإسعاف يطلق «زمارتها» رغم أن لا أحد فيها لأنه يكون محتاجا فقط إلى السير بسرعة كي يصل في موعد تناول وجبة الغداء أو على موعد مع شخص ما. وحتى في حال وجود مريض في سيارة الإسعاف، فالسائق يعرف أكثر من غيره أنه حتى لو وصل المريض إلى المستشفى على متن طائرة هيلوكوبتر فإنه سيتم رميه فوق صفيحة حديدية، وهناك سيظل يئن من الألم.
المسألة ليست في البهرجة وإفساح الطريق، بل في ماذا بعد الوصول إلى المستشفى. على الطرقات الموريتانية، راجلون يمشون في قلب الطريق بتحد وهم يعتقدون أن أعمارهم طويلة جدا وأن حوادث السير تحدث للآخرين فقط.
وهناك عشرات الآلاف من السيارات يقودها مراهقون من الذين نزلت عليهم النعمة فجأة ويرتكبون حوادث مفجعة، فيتدخل آباؤهم بسرعة لطي الملف والمساهمة في استمرار هذه الحرب الأهلية المتوحشة التي تسمى حوادث السير.
علامات مرور الراجلين تمحى من الطرقات بسرعة لأن الطلاء الذي تطلى به إما مغشوش وإما أن الموريتانيين صاروا يمشون أكثر من اللازم ويتسببون في محوها. وفي كل الأحوال، فإنه حتى لو كانت هذه العلامات ظاهرة وجلية فإن السائقين يعتبرونها مجرد زخرفة لا تقدم ولا تؤخر. هناك عشرات الآلاف من السائقين المرضى نفسيا والذين يمكن تسمية مرضهم بـ«عقدة التجاوز»، أي أن الواحد منهم يتجاوز بسرعة رهيبة السيارة التي أمامه ثم يتوقف على بعد أمتار . لماذا، إذن، ذلك التجاوز الخطير؟
في مفترقات الطرق، يكون الطريق خاليا وتحاول المرور وفق قانون الأسبقية، فيفاجئك من اليسار سائق يأتي من بعيد وبسرعة مذهلة وهو يطلق منبهه لأنه لا يريد منك أن تمر قبله.. إنه حقد غريب نمارسه على بعضنا البعض في الطرقات. الحرب الأهلية التي نعيشها على طرقاتنا تلخص طريقة تفكيرنا ودرجة وعينا وفداحة عقدنا النفسية ومكبوتاتنا التي نفرغها على بعضنا البعض.
يتداول الموريتانيون حكاية تقول إن مسؤولا أجنبيا جاء إلى موريتانيا وقضى بها عدة أيام، وحين كان مغادرا قدم إليه المسؤولون الموريتانيون هدايا من ضمنها كتبا ومجلدات كثيرة، وعندما سأل عن نوعية الكتب قيل له إنها عن تاريخ موريتانيا وتعرّف بالشعب الموريتانى وثقافته وتقاليده. فقال لهم الضيف الأجنبي: لقد عرفت بلدكم وطبيعة شعبكم في ربع الساعة الأولى التي نزلت فيها من المطار متوجها نحو مقر إقامتي. شاهدت كيف تسوقون وكيف تتصرفون على الطرقات فعرفت كيف أنتم، وهذه الكتب والمجلدات لا معنى لها.
وأخيرا فإننا ندعوا الجميع إلى تخفيف السرعة واحترام قانون السير ونتذكر عبارة مكتوبة على الطرق السيارة فى إحدى الدول الشقيقة والعبارة هي :"أبى خفف السرعة فإنا بإنتظارك"