"الحوظ" و النظام ..و الرسائل التي لم تقرأ ../ مولاي محمد ولد الصادق | البشام الإخباري

  

   

"الحوظ" و النظام ..و الرسائل التي لم تقرأ ../ مولاي محمد ولد الصادق

مولاي محمد ولد الصادق

في سنة 1945ضم الوالي الفرنسي laigret منطقة "الحوظ" إلى المنتبذ القصي وفي سنة 1956 دخل المرحوم أحمد ولد حرمه ولد ببانه الانتخابات مرة أخرى للحفاظ على مقعده بالبرلمان الفرنسي كممثل وحيد لموريتانيا إلا أنه خسرها لصالح المرحوم سيد المختار ولد يحي انجاي اعتبر ولد حرمه أن الإدارة الفرنسية زورت الانتخابات لصالح غريمه
في تلك الاستحقاقات بالضبط اجتمع الحاكم الفرنسي مع بعض أعيان المجموعات هناك يستطلع رأيهم حول المرشحين فأخبروه بأنهم يميلون للتصويت لصالح حرمه لكن الحاكم خاطبهم قائلا (المخزن )يدعم ولد يحي انجاي إشارة منه إلى الإدارة الفرنسية
ارتوت وجوه الأعيان بوابل من العجب الهتون وماهي إلى ومضة برق حتى انجلت الغيمة لتفتَرَ عن دعم مرشح (المخزن) مدشنين بذالك رسيس وصل تسكر من طلاوته أنخاب أبي نواس
شأنهم في ذلك شأن معظم الأعيان في البلد لكنني سأركز هنا على نماذج من" الحوظ " لأن المقال مرتبط به
ولأن الحب مامنع الكلام الألسنا(على عهدة المتنبي) ، كانت الأنسة دانيل(daniel)ابنة الحاكم الفرنسي في مقاطعة النعمة السيد(sangratien )تقضي إجازتها الصيفية بين (ابحير والكلته وملك البطح والراجاط) مستمتعة بأجواء الخريف في مدينة النعمة آنذاك
وكان من بين العاملين مع الحاكم الفرنسي مساعدون موريتانيون ولمعرفتهم بالعلاقة الحميمية التي تربط معظم أعيان المنطقة بالإدارة الفرنسية أخذوا مبادرة من أنفسهم دون علم الحاكم الفرنسي ,اتصلوا بالأعيان وأخبروهم أن الآنسة (دانيل)قدمت من فرنسا لأجل (لبلوح)وهي "عملية تسمين الفتيات"
فما كا ن من الأعيان إلا أن بدؤوا في عملية انتقائية للأبقار بين الحمراء والصفراء والفاقع لونها ووافرة اللبن من ناقصته ليجد الحاكم نفسه محاطا بسرح من البقر
استدعى الحاكم أحد منفذي الخطة يستفسره عما يجري فأجابه هذه هدايا لأجل عيون دانيال
أمر الحاكم الفرنسي الموظف بأن يعيد البقر لأهله تماما كما كان يتوقع مخططو العملية فجاءهم وأبلغهم أن الحاكم ممتن لهم ويشكرهم على كرمهم سعد القوم بالخبر و سيق البقر إلى وجهة أخرى كما سيفعل بعد ذلك أغلب حكام و ولاة "الحوظ" خلال الدولة الوطنية إلا من رحم ربي
في يوم 28نفمبرمن سنة1960 استقلت موريتانيا وولدت الدولة الحديثة في ظروف أقل ما يقال عنها بأنها غاية في الصعوبة وقادها المحامي المرحوم المختار ولد داداه, وكانت الأطماع الخارجية بمثابة الصقر الذي يتحين الفرصة للانقضاض على فريسته
ولم تكن منطقة الحوض في منأى عن تلك الأطماع
لقد شكلت الزيارة التي قام بها الرئيس المخطار ووزير داخليته أحمد ولد محمد صالح لمدينة باسكنو علاقة جديدة بين الدولة الناشئة وأعيان "الحوظ ",فقد ركب المخطار إلى باسكنو واستقبله زعيم أولاد داود"أولاد علوش"سيد ولد هنون ولد حننا رحم الله الجميع وبعد انتهاء مراسيم الاستقبال قال له الرئيس المخطار جئتك بوصفي مسؤولا عن الحكومة الموريتانية وأخرج له مجموعة من الأسلحة و الذخيرة وقال له" لعرب" لايهدى لهم المال بل السلاح هذه هديتك و "الحوظ" أمانة في يدك لاتدعه نهبا للأطماع المالية
أدخل الرئيس المخطار "الحوظ " في الأجندة الوطنية وتم إدماج النهضة بقيادة سليل مقاطعة تمبدغة بياكي ولد عابدين ودخل حمود ولد احمدو في الحكومة والتحق الشيخ محمد لمين ولد سيد محمد بحزب التجمع كما دخل عبد الرحمن ولد الشين(ديب)وبدأت قبائل الشوكة في منطقة "الحوظ" تتسرب إلى النظام الجديد مما قضى على طموح مالي ورئيسها مودي بو كيتا في ضم الشرق الموريتاني إلى الأراضي المالية
1 ـ هل كان "الحوظ " مطواعا للإدارة الفرنسية والأنظمة الحاكمة
في يوم10فبراير من سنة 1831بولاية الحوض الشرقي ولد شيخ المقاومة الشيخ ماء العينين ولد الشيخ محمد فاضل الذي سيذيع صيته كأكبر مقاوم للوجود الفرنسي ويعتبر الشيخ ما ءالعينين الزعيم الروحي للمقاومة الوطنية وراعيها الأول ,فبدعمه وتخطيطه وتوجيهه تكبد المستعمر خسائر فادحة بالمنكب البرزخي
كما ولد أيضا "بالحوظ "الفارس المغوار البطل الشيخ ولد عبدوك الذي اتخذ من كل شبر بتلك الأرض مصيدة للمستعمر
والمقاومون كثر لا يسع المجال لحصرهم...
وحتى الأعيان إن كانوا يعبرون عن الولاء للإدارة الفرنسية علنا إلا أنهم بالمقابل كانوا يضمرون مقاومة تتجلى في ظواهر عدة كعدم إرسال أبناءهم إلى المدارس الفرنسية واحتضانهم للمقاومين وتزويدهم بالمؤن والمعلومات عن تحرك الفرنسيين
الشيئ الذي مكن المقاومة من الاستمرار وتحقيق ضربات موجعة في صفوف المستعمر
ومن ياقوتة الشرق ورمز الثقافة والأدب والفروسية "تمبدغة" خرج أكبر مناوئ لنظام الرئيس ولد داداه المرحوم بياكي ولد عابدين رئيس حزب النهضة .... الذي يعرف الجميع تطورات علاقته بالنظام و تشكيله جبهة داخل الحكم
و حتى بعض المقربين من الرئيس المختار كانت تمنعهم التقاليد " الأسرية " من لعب دور المساعد المطيع في كل شيء ، حيث تحكي القصة أن المختار في أحد أسفاره ناول السفير " حمود ولد إعل " حقيبته اليدوية قائل له "احكم هون " فرد الأمير الشاب " آن ما نحكم صكات الرجالة " و من تلك اللحظة أطلق عليه لقب " الدوق " المعروف كمسمى للأمير بأوربا الشرقية .. و من تلك اللحظة فهم المختار رحمه الله نفسية المواطن الشرقي و استخدمها أحسن استخدام ...
2ـالحوظ و الانقلابات
بعد اهتمام الرئيس المختار بأعيان الحوض وتحميلهم المسؤولية في الوقوف أمام الأطماع الخارجية وإدماجهم في نظامه اهتم أيضا بأطرهم دكاترة ومهندسين وأوكل إليهم مهامه إدارية وفنية للمساهمة في النهوض بالدولة الناشئة
وبالتوازي كان يتسرب عبر أبواب المؤسسة العسكرية ضباط من أبناء "الحوظ "الذين تثبت الشهادات المتلاحقة بأنهم كانوا من خيرة ما أنجبت المؤسسة العسكرية
يكاد يجمع المؤرخون والسياسيون ممن عايشوا تلك الفترة أن مهندس انقلاب 78هو المرحوم الرائد جدو ولد السالك من أعيان إحدى قبائل الشوكة في "الحوظ"
كما أن المحاولة الإنقلابية التي وقعت يوم16مارس1981كانت بقيادة المرحوم الطيارالعقيد محمد ولد عبد القادر(كادير) المنحدر من مدينة النعمة
3ـالحوظ وفترة الرئيس ولد الطايع(الوظائف و التهميش)
وصل الرئيس ولد الطايع إلى السلطة في أواخر 1984بانقلاب عسكري على الرئيس ولد هيداله وفي بداية التسعينات جاء بدستور جديد ودخلت البلاد في مسلسل شبه ديمقراطي
وبما أن الحوض يعتبر خزانا انتخابيا لا يمكن تجاهله حرص ولد طايع على كسب أصوات المنطقة وشرع في توزيع الوظائف السامية على اعتبارات انتخابية بحتة تماما كما فعل مع الجهات الأخرى
فانتفخت البطون واتسعت الجيوب وبنيت القصور بتفرغ زينه على حساب البنية التحتية وتوفير الخدمات العامة فانتشر الفقر والجهل والمرض والتخلف بين المواطنين وظهرت معادلة المتناقضات "موظفون سامون يصلون مرتبة الوزير الأول ينتمون إلى منطقة أقل ما يقال عنها بأنها لا تنتمي إلى الأرض"
4 ـ النعمة مدينة الخطابات
سنة 1985 اختار الرئيس معاوية ولد الطايع مدينة النعمةلإلقاء خطاب أطلق عليه خطاب النعمة التاريخي و استمر ذلك الاسم 20 عاماحتى سقوطه 2005 ، و اختار ولد عبد العزيز النعمة للخطاب مايو 2016 الذي أعلن فيه نيته الاستغناء عن مجلس الشيوخ ...
لتبقى تلك الرمزية هبة للمدينة لا تنفعها و لا تضرها في شيء

5ـ الحوظ الاعتراف بالتهميش ومحاولة التغيير
أثناء ترأسه للقاء الشعب في مدينة النعمة اعترف رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز بتهميش "الحوظ "من قبل الأنظمة السابقة وطفق في شرح تفاصيل مشاريع أعدتها الحكومة للرفع من تنمية الولاية والنهوض بها
بالفعل شهد "الحوظ "مجموعة من المشاريع من أبرزها "مشروع اظهر" المشروع الذي سيوفر الماء الصالح للشراب وهو مشروع في غاية الأهمية ليس في توفير الماء فحسب وإنما ماسيترتب أيضاعلى استغلاله في الزراعة والصناعة والصحة العامة وإن كان هذا المشروع لم يدخل حيز التنفيذ حتى الآن والمنطقة تعصف بها موجة عطش لم يسبق لها مثيل وعزاءنا أن المشروع قد قطع مراحل متقدمة والعمل جار فيه حتى اللحظة
كما شهد "الحوظ "مشاريع أخرى لاتقل أهمية عن "مشروع اظهر"كالطرق البين مقاطعية والطرق الحضرية بعاصمة الولاية ومصنع الألبان وإنشاء مدرسة الصحة العمومية بالنعمة والشروع في تشييد مستشفى جهوي كبير تزيد سعة أسرته على مائة وخمسين شخصا والقائمة تطول"
لكن رغم هذه الإنجازات المثمنة تبقى تنمية "الحوظ "تحتاج إلى قطع أشواط كثيرة ينبغي الركض فيها ضبحا وقدحا
هناك ضرورة لتنويع المجالات والمحاور الاقتصادية بدل التركيز فقط على السائدين(التنمية والزراعة)
يحتاج الحوض لولوج الشركات المنقبة عن المعادن إليه خاصة أنه ينتمي إلى الحوض الرسوبي الكبير(bassin de taoudeni)
كما يحتاج إلى تشجيع السياحة الثقافية وتنظيم رحلات سياحية دولية عبر مطار النعمة الدولي خاصة أن الحوض يضم أقدم مدينتين تاريخيتين في البلد
"ولاتة وكومبي صالح"

وبما أن منطقة "الحوظ "منطقة شبه خالية من رجال الأعمال فهي بحاجة إلى صندوق مالي تدعم من خلاله المشاريع الصغيرة والمتوسطة لما لها من أهمية في تحريك عجلة التنمية

6 ـالحوظ الرسالة التي لم تقرأ
ما إن نادى رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز بتجديد الطبقة السياسية ودعا الشباب لأخذ مواقعهم في المرحلة التي يقودها من تاريخ البلد
شكل ذلك بارقة أمل في نفوس أغلب الشباب الموريتانيين وشباب "الحوظ "بشكل خاص الذين عانوا الأمرين في العقود الفارطة
فانخرطوا بشكل جدي في أول حملة انتساب قام بها حزب الاتحاد من أجل الجمهورية أثبتوا جدارتهم وقدرتهم على كسب عجاج الميادين السياسية وظهرت بصماتهم جلية في إنجاح زيارات الرئيس إلى "الحوظ "و الدفاع عن الخطاب الذي اقتنعوا به و أقنعوا به الآخرين لكن استحقاقات 2013 ( البلدية و البرلمانية ) خيبت آمال الشباب و جعلتهم يشعرون بالخيانة و الغدر ، إذ يبدو أن دعوة رئيس الجمهورية لتجديد الطبقة السياسية و ضرورة ولوج الشباب إلى المناصب السياسية لم تصل أسماع وفد حزب الاتحاد من أجل لجمهورية إلى "الحوظ"
ما حدث من اجترار القديم الآسن من مستنقعات الحزب الجمهوري و أزلام ولد الطايع ضرب الشباب في الصميم بخيبة أمل كبرى و بعض الجماعات المحلية المهمشة أصلا ، مما سهل عقد قران حزب تواصل على بلدية النعمة و لأول مرة في تاريخها في حفل مهيب و بمهر لم يتجاوز ربع دينار مع انعدام أي شرط يمكن أن يحرج أو يتسبب في تراجع العريس " حزب تواصل " ...إذاً لم تُقرأ الرسالة ...
في رئاسيات 2014 جاءت النتائج كبيرة لصالح المرشح آنذاك المرشح الرئيس محمد ولد عبد العزيز معاكسة تماما لنتائج البلدية .. و لم تُقرأ الرسالة مرة أخرى
و بقي السؤال حائرا على الشفاه المطبقة ..
سألني أحدهم ذات مرة : ما الذي يعنيه فوز حزب تواصل ببلدية النعمة المركزية ؟ ، فأجبت ببساطة : يعني نفاذ المعارضة الراديكالية على حد تعبير أحد الصحفيين المحاورين ، أو المتطرفة على حد تعبير الرئيس .. نفاذها إلى أرجاء الحوض
إذا لم يتحرك المعنيون و يقدروا خطورة الموقف
8 ـالحوض و الاستفتاء
دخل النظام في حوار مع جزء من المعارضة 2016 و من ضمن المخرجات مشروع تعديلات دستورية قُدم إلى البرلمان و خرج مغردا من غرفة النواب ليسقط في فخ محكم أعدته غرفة مجلس الشيوخ
يطل رئيس الجمهورية في مؤتمر صحفي و يعلن الاستفتاء على مشروع التعديلات أمام الشعب انطلاقا من المادة 38 و ما هي إلا أيام قليلة حتى خرج علينا شيخ مقاطعة باسكنو التي تقع في أقصى شرق الحوض الدكتور الشيخ ولد سيدي ولد حننا يعلن باسمه و اسم زملاءه من شيوخ الأغلبية رفضهم للتعديلات الدستورية و مسؤوليتهم عن اسقاط المشروع بغرفة الشيوخ
و في خضم الجدل الدائر حول التعديلات الدستورية يظهر فيديو انتشر عبر وسائل الاعلام المحلية تململ مجموعة كبيرة و وازنة من أعماق "الحوظ ".. تعلن على قلب رجل واحد معارضتها و مقاطعتها للاستفتاء
و عبرمواقع التواصل الاجتماعي تظهر مجموعات شبابية تنتمي إلى "الحوظ "سخطها على النظام و تحميله مسؤولية عطش مدينة النعمة و الوضع المأساوي الذي يعيشه الحوض على حد تعبيرهم
أظهرت قضية الشيوخ شرخا كبيرا و جرحا غائرا في صفوف الأغلبية الداعمة للرئيس و تبقى المآلات مجهولة لحد الآن .. ، كما أظهر تململ المجموعات و الشباب و إحياء فكرة جمع التوقيعات المناهضة للإستفتاء ..
حالة لا تحتاج إلا من يمد فيها الأصبع ... و لكنها بحاجة إلا من يعيي الدروس و يقرأ الرسائل .

تصفح أيضا...