أين "علماء الحق"؟ | البشام الإخباري

  

   

أين "علماء الحق"؟

بعض العلماء والوعاظ والدعاة في علمنا العربي والإسلامي، عودونا ـ جزاهم الله خيرا ـ رفع أصواتهم بالتحذير من المنكر والنكير على أهله، والبكاء والتباكي، وعظا وإرشادا وتخويفا من الله وترغيبا فيما عنده ـ ونعم الصنيعة والنحلة ـ وابدعوا في استخراج العبر والدروس من تاريخ الأمة وتراثها، فألفوا وخطبوا ودرسوا، فأفادوا وأجادوا .
لكن ليت تلك الأصوات المجلجة المزلزلة على المنابر والشاشات آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر، ترتفع ولو مرة واحدة بكلمة حق في وجه سلطان جائر، وتصرف حاكم ظالم، سيكون حينها الدرس أبلغ والوعظ أجدى.
ألم يتأمل سادتنا الأفاضل من العلماء والدعاة والوعاظ ـ وهم خير العارفين ـ سير أسلافهم من علماء هذه الأمة، ومواقفهم مع الحق والابتلاء في سبيله، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصاربين.
ماذا ضر العز بن عبد السلام حين قال للملك الصالح إسماعيل وجنده وهو رهين قيودهم وسجنهم، "أنا في واد ، وأنتم في واد آخر ، الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به".
وماذا ضر الحسن البصري حين وقف بين يدي عمر بن هبيرة والي يزيد بن عبد الملك على العراق، وقال "خف الله في يزيد، ولا تخف يزيدا في الله، إن الله يمنعك من يزيد وإن يزيدا لا يمنعك من الله".
وماذا ضر سفيان الثوري حين وقف أمام أبي جعفر المنصور وهو في منى بموسم الحج، وقال له: اتق الله يا أبا جعفر، فقد ملأت الأرض ظلما وجورا، فإنما أنزلت هذه المنزلة بسيوف المهاجرين والأنصار، وأبناؤهم يموتون جوعا، فاتق الله وأوصل إليهم حقوقهم، فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين حج وهو خليفة للمسلمين، سأل خازنه كم أنفقت؟ قال: بضعة عشر درهما، وأرى معك اليوم يا أبا جعفر أموالا لا تطيق الجمال حملها، فاتق الله وأعد الحقوق إلى أهلها".
وماذا ضر عمارة بن رويبة: حين رأى بشر بن مروان يرفع يديه بالدعاء على المنبر يوم الجمعة، فاعتبره مبتدعا في الدين، وقال له "قبح الله هاتين اليدين، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما يزيد على أن يقول بيده هكذا". وأشار بإصبعه المسبحة.
وماذا ضر الفتى "حطيط الزيات" حين مثل بين يدي الحجاج وقال له، "إني عاهدت الله عند المقام على ثلاث خصال، إن سئلت لأصدقن، وإن ابتليت لأصبرن، وإن عوفيت لأشكرن، فسل عما بدا لك فإني مجيبك بالحق، قال الحجاج فما تقول في أنا، قال: إنك من أعداء الله في الأرض، تنتهك المحارم وتقتل بالظن، قال فما تقول في أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان، قال: أقول إنه أعظم جرما منك، وإنما أنت خطيئة من خطاياه".
وماذا ضر الإمام مالك بن أنس حين صمد على قناعته وأصر على موقفه رغم السياط وعتو الجلاد، وجبروت الحاكم، وقالها صارخة صادحة "لا طلاق لمكره".
وماذا ضر الإمام أحمد بن حنبل حين سجن وعذب فصمد على موقفه رافضا فتنة خلق القرآن رغم موقف السلطان وعلماء السلطان.
بل ماذا ضر مفتي تونس الطاهر بن عاشور حين قالها مدوية مجلجلة على الملإ "صدق الله وكذب بورقيبة".
إن في تاريخ هذه الأمة قديما وحديثا من العلماء والدعاة والوعاظ من كان موقف واحد لأحدهم يعادل ألف درس وعظ وتعليم وإرشاد، من دروس وعاظ الترف ودعاة الاستكانة، غفر الله لنا ولهم وأعاننا وإياهم على قول الحق ولو كره الكارهون.

عن صفحة الكاتب محمد محمود أبو المعالي