عندما يذل الأعزة / الولي سيدي هيبه | البشام الإخباري

  

   

عندما يذل الأعزة / الولي سيدي هيبه

 حضرت في بحر الشهر الكريم إفطارين باذخين نظمهما كيانان سياسيان كبيران في تضاريس أحزاب البلد التي تفوق الستين عددا فهالني سوء تنظيم أحدهما و أسرني حسن تنظيم الآخر و كثرة و نوعية مدعويه. و لكن الذي لفت انتباهي بشدة ما كان من حسن استقبال كل آفل سياسي حضر و فاشل إعلامي ظهر و كان اختفى من سوء الأداء و استبدال الرسالة الإعلامية بالتزلف و النفاق و الاستخبار الرخيص فجنى قربا دنيئا من العتاة

 و بعض فتات مال وسخ، إلى جانب متزلفة الدين و المدعية حوزة السبق فيه من ناحية و كل مارق على الأخلاق و الذوق الحسن. و لقد كان يتم استقبال هؤلاء عند المدخل كأنهم فاتحون و يحظون بعظيم الترحيب و جزيل الإطراء كأنهم جميعهم عنوان البلد و سقفه الأعلى. و في المقابل فقد أفجعني مشاهدة المثقفين الملتزمين و الأكاديميين المتنورين و الإعلاميين الشرفاء و أصحاب الضمائر الناصعة و الهامات العالية و هم يحشرون في أبعد الزوايا و أقلها إضاءة و كأن الأمر صك الاستعارة منهم. هي السياسة عندنا هكذا.. أقوياء بكل خروج على الاستقامة و الالتزام و العفة و الوطنية يبجلون و يستنصرون، و مخلصون لروح وجاهة القول و استقامة الفعل مهانون و مبعدون.. أو ليس في هذا دليل على سطوة السيبة؟

أموال البلد بأيدي قلة؟
حدث أحد اكبر الاقتصاديين في هذه البلاد فقال: أجريت منذ فترة دراسة مفصلة على قواعد علمية و بآليات حديثة و خبرات ميدانية مجربة عن المال و رجال الأعمال في موريتانيا بعد مرور سبعة و ستين عاما من الاستقلال و الدولة المركزية ذات المقدرات المتنوعة الكبيرة و الإطلالة الإستراتيجية على المحيط الأطلسي و النهر ذي الأرض الخصبة. و خرجت الدراسة بنتيجة مخيبة للآمال مدمرة للمسار و مثبطة لهمة البناء و التنمية و ال

استقرار ملخصها المبين أن كل مال مدخول ثروة الدولة بأيدي قلة نفترسة لا تكاد تصل إلى واحد بالمائة بالمقياس الإحصائي العلمي المددقق للحسابات (400 شخص على أرض الواقع متفاوتون في الغناء و القوة بحسب معاييرها الجائرة و المستقاة من نظام السيبة).. و هي القلة التي لم تعرف يوما المال الوفير و الأعمال المحسوبة بالتقليد الدائم مثل ما هو الحال في أغلب دول العالم حيث توجد أسر صناعية منذ قرون و أخرى مالكة للأطيان و المصانع و الورش الكبيرة من زمن بعيد، و أخرى عرفت على مر العصور بالقدرة على الاختراعات و حيازة البراءات، بل إننا شعب عرف منذ كان بضعف العيش و شح أسباب القوة و البقاء. و في ظرف زمني كان مفروضا أن يكون مسخرا لوضع قواعد و أسس البناء الرافعة من صحة و تعليم و بنى تحية تضمن انسيابية الحركة التنموية، انبرت مجموعة قليلة من يافعي السن و كهول و نساء و متزلفة القبليين و الجهويين و محميي بعض الضباط السامين بالاستحواء على كل شيء و تكديس أموال طائلة - في غير ما استثمار لها يخلق حركة اقتصادية و يبني قواعد صناعية محلية تُشغل الشعب و تضمن الاكتفاء الذاتي و توفر العملة الصعبة ـ لوضع البلد في مهب رياح التقهقر و تقويض المسار.. فهل تظل هذه الوضعية المختلة التي واكبت نشأة الدولة على ما هي عليه؟ أم أن وعيا بها سيستجد و يتم توجيه البوصلة إلى وجهة الإصلاح الحقيقي فتجري محاسبة هؤلاء و تصادر منهم أمول الدولة و باء قواعد سعادة الشعب المحروم؟

السياسة في معجم أرض المليونيات

كل الدلائل و القرائن و الحجج و البراهين لا تدع للشك محلا في أن السياسة ببلد المليونيات و أرض عشق المظاهر الزائفة هي مجرد لهو و لعب، و عبث و غمار، و غش و مراوغة و طمع و استهتار، و فرص و انتهازية و حربائية و تدليس، و تآمر و تحالف مع الشيطان، و اغامز و تنابز و تلابز، و توافقات كرنفالية، و غراميات في مواسم الجفاف و عصف رياح السموم الفصلية، و أن كل العناوين خواء منحوت احتيالا من عابر كل رياح تغيير تعصف على بلدان الرشاد السياسي و الأوطان الراسخة القدم في المدنية و التحضر و الديمقراطية. نعم الأمر بهذه الحدة و الدقة لمن فتح و صحصح و بحث عن أبلج الحقيقة. و هي السياسوية التي يجري الأمر فيها داخل معمعة من اختلاط أوراق لم تنتظم يوما و حيث لا خطاب و لا فلسفة و لا برامج و لا إرث من ماض سياسي معلوم أو زعامات وطنية كارزمية، و لا منظرين لمستوى سياسي يميز أو قد يضع علامة خاصة على فكر أو منهج؛ أمر يتقاطع فيه المستأثر و المغبون و القبلي و الجهوي و الشرائحي و الإثني و الداعية و المحبط و العسكري و المدني حتى يصبح المدني باسم السياسة أشد احتكارا و صلفا من العسكري الذي يكون أكثر مراوغة و أقل وضوحا من غيره في ساحة التجاذبات ابتغاء تحقيق الذوات و التحصيل المادي و الجاه السلطوي.

الشجرة التي تحجب الغابة
يكثر بعض المترفين من المسؤولين، المستفيدين في الدولة فوق ما يستحقون، في هذا الشهر من النقل و اللصق للأدعية المنتشرة بفعل الانترنيت و بعض الموروث المحلي الخجول في تغطية مراوغة على تراجعهم، بعد تعيينهم و انصهارهم في بوتقة المتزلفين، عن أدوارهم السابقة في التوعية و فضح مظاهر الظلم و التباين و الفساد و غياب العدالة الاجتماعية.. و لكن عبثا يفعلون لأنه الشجرة التي تحجب الغابة عن الأنظار.. و لا أحد يمكنه أن يزايد على آخر في هذه البلاد في حفظ الأدعية و التضرع بها إلى الله.