البشام الإخباري / يقينا لست من أهل التخصص في علم النفس ولكني أتشجع وأكتب هذه السطور مستفيدا من مجالسة الأخ الدكتور محمد فاضل ولد اگوهي (#Mohamed_Fadel_Gouhi#) الشنقيطي حفظه الله ورعاه المتدرب حاليا في مدينة فاس بالمملكة المغربية، ومستعينا ببعض المفردات العلمية والجمل من مقالات الدكتور #عمر_أبو_الخليل المصري المحترم ،، وكلاهما أخصائي في الطب النفسي،
هناك من يرى بأن طريق التقدم والبناء في موريتانيا يمر بالسياسة والثورة والتغيير والإصلاح وصناديق الاقتراع ، إلخ،،، باعتبار أن حالة التخلف والتردي التي تتخبط فيها الدولة منذ عقود ناجمة حصريا عن تراكم الفساد وعجز الحكومات والأنظمة المتتالية وفشل النخبة إلى غير ذلك مما تتحدث عنه الأحزاب والصحف والمنظمات،،، لا أجادل في ذلكـ ولا أعترض عليه، بل أؤكده، ولكني بدأت أشعر بأن الإصلاح في موريتانيا يمر حتما بطب "ادْياه"! أقولها بصراحة، إذا كانت المجتمعات تمرض نفسيا مثلما يمرض الأفراد، فهناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن مجتمع "البيظان" مجتمع مريض نفسيا، ويحتاج إلى أن يُكبكب في "طب ادْياه" لتلقي العلاج.. بلى! إننا كمجتمع نعاني من أمراض نفسية وعقلية تتمظهر بوضوح في تعاملنا فيما بيننا وتعاملنا مع غيرنا وفي سلوكنا وأخلاقنا ونمط تفكيرنا وحياتنا؛ ومنها على سبيل المثال، لا الحصر:
- الارتياب وسوء الظن بالآخر بما يشبه "البرانويا"، حيث يخال إلينا دائما أن العالم يكرهنا ويتآمر ضدنا ويريد إضعافنا بدءاً من المجتمعات التي تتقاسم معنا الوطن، ومرورا بالمجتمعات المجاورة، وانتهاء بسكان القارات ال5. السنغال تطالب بأرضنا، والمغرب تخطط لضمنا، ومالي تريد تصدير الارهاب إلينا، والغرب يسعى لنهب خيراتنا وتشويه حياتنا... وعندما تسأل : لماذا يكرهوننا؟ تبرز لك أمراض أخرى من قبيل "العظمة"، وتجد من يقول لك: "نحن شناقطة"، "تاريخنا مجيد"، "أجدادنا عظماء"، "ذكاؤنا خارق"، "علماؤنا"، "شعراؤنا"، إلخ،،، طردنا المستعمر.. فتحنا الأندلس، إلى غير ذلك مما يتناقض صراحة وبشكل مرضي غريب مع آفة آخرى من آفاتنا النفسية، وهي رغبتنا الشديدة في جلد الذات وإهانتها والحط منها والشعور بالدّونيّة إزاء الأجنبي والإحساس بالنقص ،، كقولنا: إننا شعب غبي، عاجز، سلبي، ودولة فاشلة، وما يقال عن الدخن، وأهل لخيام، وهي الاّ موريتني، واحميَّرنا لخظر، إلخ،،،
- الاكتئاب والثرثرة،، إننا مجتمع يسري فيه الإحباط كالهواء الذي نتنفسه. هل نظر أحدكم صباح يوم في وجوه الناس وهم يتدفقون على الشوارع بحثا عن باص أو صريت او تاكسي تودرواه؟ لو شاهدتم ذلك المشهد لشعرتم بأن الناس آلات بلا روح. فلا رغبة في أي شيء.. لا حياة، ولا ضحك، ولا ابتسامة، بل حالة باهتة من التعب العام والتكاسل والبطء والتشنج ممزوجة بشيء من العصبية والعدوانية القابلة للإنفجار مع أقل احتكاك.. أما عن الثرثرة، فإننا لم نعد نحترم قوانين ولا عادات ولا أعراف ولا نظام، بل نستمتع بالكلام والكلام فقط،،، الكلام عن الدين هو الدين، والكلام عن التعليم هو التعليم، والكلام عن الإصلاح هو الإصلاح،،، فالجميع يتكلم عن الأخلاق والكل يشكو من تفاقم الإجرام وسوء المعاملات،، فلا تكاد تجد من يلتزم في معاملاته الدينية والأسرية والتجارية والمهنية.. وأصبح الغش شطارة ومهارة لتغيب قيم الشهامة وتختفي ظواهر الود والتعاون والرحمة والتسامح والتآخي، ويسود التوحش والإجرام،.
- الاهتمام المرضي بالمظهر والشكل على حساب الجوهر والمضمون حتى اختل حكمنا على الأمور كلها،، وأصبحنا لا نقيِّم وفق معايير منصفة وحقيقية، ولكن وفق استيفاء مظاهر الشكل، وصارت حياتنا كلها مظاهر و"أشباه" .. فلدينا شبه دولة، وشبه تعليم، وشبه ثقافة، وشبه منظومة صحية،،، وشبه مجتمع!؟ وأصبحنا ندمن التظاهر الاستعراضي في أفراحنا وفي أحزاننا حتى أضحى التباهي والتفاخر جزءاً من استعراض العضلات في تعويضٍ شديد لإحساس بالنقص نتخيل أننا نعوضه من خلال مظاهر كاذبة خاوية بائسة تخفي وراءها هشاشة عقلية مرعبة.. إن هذه العشوائية النفسية، وهذا الانفصام والتناقض الشديد بين القول والفعل، وبين المظهر والمضمون والغلو في الخطاب والمبالغة وعدم الاعتدال هي علامات لمرض نفسي ،، لو رصدناها في فرد لتوقفنا وبادرنا باستشارة طبيب نفسي ،، أمَّا وقد رصدناها في المجتمع،، فمن يبادر بنقل المجتمع إلى طب ادياه !؟ أستطيع أن أراهن على أنّ 70% من مآسينا الحالية لن تجد علاجها خارج المشافي النفسية،، والله أعلم!
من صفحة الوزير محمد فال ولد بلال