الشاعرلا يسعى ليكون شاعرا....ولا يبحث عن اعتراف به ككيان وهمي....ليس بحاجة إلى إن يقول له الناس : أنت شاعر كبير... الألقاب أوعية محدودة السعة , والشعر نغم مطلق لا يسعه فضاء ..
الشعر رفض للمهدئات والتأجيل والحلول المؤقتة...
الشاعر كائن متوحش متمرد لا يأنس بما تواضع الناس على تسميته هموم الحياة وغاياتها ...هو لا يرضى إلا بالعيش بعيدا في براري الفكر حيث لا سلطان إلا للفن....
إذا أردت أن تقتل شاعرا فدجنه ...استقدمه إلى قصر صاحب المقام العالي...سيخلع – مطيعا- عن رأسه تاج قوته وكرامته وكبريائه ..سيتنازل عن رجولته لأن في القصر رجلا واحدا هو صاحب القصر... سيفقد فحولته الشعرية .. لأن صاحب أي قصر لا يقبل فيه إلا الخصية أو التابعين غير أولي الأربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء.....سيتحول إلى خروف ضخم يسرح في الحديقة , يرعى الكرم والتفاح ويسبح كبطة سمينة بطينة في برك مرمرية.... وينقلب إلى ببغاء يردد أحاديث القصور....إن اقتراب الشاعر من كل ذي مقام كبير يضعفه ويفقده لغته الخاصة ...واحتساءه فضلة قهوة الأمير سيجعله ينحني ليدخل من الباب القصير المخصص للأقزام , ويصبح شاعرا بلا قضية...ستتحول نار الشعر فيه إلى غنج وتخنث وتكسر.....ستتدلى خاصرته ...وتنتفخ بطنه كحبلى مدللة....سيلد في كل مناسبة قصيدة من ذوات الاحتياجات الخاصة بعملية قيصرية ... سينسيه النعيم بؤس المحتاجين وأوجاع المظلومين وقدر المحارفين....ستزكمه النسائم العليلة فلا يشم رائحة الآلام المتصاعدة من رحم الأرض الجرداء وتلك لعمري أولى نطف الخلق في دنيا الفن والإبداع...
فرق كبير بين الأسد الملك في عرينه...جائعا يجري ويكدح ليعيش وبين الأسد وراء القضبان في حديقة الحيوانات...تقدم إليه الوجبات الدسمة مجانا...فضمور الأول وشعث شعره وجلده إمارة الفحولة والقوة والكبرياء....وانتفاخ الثاني المترف والمتخم بتراكم الوجبات يحوله إلى كومة لحم تتعطل فيها حرارة الفعل والإرادة....
اليوم أرادوا من الشعر أن يكون رياضة ونشاطا ترفيا ترفيهيا وجرا للذيول في الساحات المخملية.....حولوه إلى بطولات ودورات ...جعلوه كقطعة أثرية ينادى عليها بالمزاد العلني...ويشارك في تحديد قيمتها الأميون والعامة وحتى النخب والمثقفون الذين لا شان لهم بالشعر ونقده وإبداء الرأي فيه.....مسابقة أمير الشعراء غريبة لأنها لا تخضع لموازين النقد والذوق....هي مسرحية "سمينة ومتخمة" على طريقة ديكور "ألف ليلة وليلة" .... جمهورها كجمهور كرة القدم....خليط من هواة ونخب وفضوليين وأميين ومشاغبين ومهرجين...ولصوص...الكل ينشد فوزا قد يحصل عن طريق تسجيل احد اللاعبين هدفا قاتلا في مرمى فريقه.....الغالب فيه هو جو الإثارة والترقب ... القائمون عليه يشبهون ملاك النوادي من الشخصيات المترفة التي تتسلى وتتاجر بالرياضة...أليست النوادي الرياضية اليوم ابتعاثا لنخاسة جديدة حيث يباع اللاعبون في أسواق النخاسة الرياضية كعجول سمينة يتدفق لها لعاب الأثرياء الممارسين رياضة الأكل....هل معنى ذلك أن دنيا الفن ستشهد فتح أسواق النخاسة الشعرية ...لنرى أذن الشعر دامية بيد نخاس يقول له أنت أمير أيها العبد فأشكر من استجابوا للعبة وفتحوا خزائنهم يأكلها غول الsms ...قبل أخمص قدم من شارك في تدفق أموال البسطاء باسم النعرات تتربح بها الفضائيات وشركات الاتصال ... ومن تفننوا في تحاليل وتعاليق رخيصة يتسلون بها وهم يتلاعبون بمشاعر الشعراء وداعميهم - على طريقة من سيربح المليون- بخرجات الفضول واللغو فيها غالبان على الرأي النقدي الرزين المتبصر والمدعوم بالأدلة والبراهين...
وعلى كل حال ان كان هذا رأينا في طريقة المنافسة ...فإننا نرجو لقاماتنا السامقة في ساحة الشعر الناجح والتوفيق...
رحم الله نزارا حين قال ذات يوم:
(ظاهرة الألقاب هذه لا توجد إلا لدينا , ولعلها من مخلفات عصور الإقطاع , وموروثات الإمبراطورية العثمانية , حيث كانت النياشين والفرمونات والأوسمة التي يحملها الإنسان أهم من الإنسان نفسه , ...وهكذا صار للشعراء أمراء....وللطرب ملوك....وللنثر سلاطين...بحيث لا يموت خليفة على الشعر إلا ونجتمع لنبايع خليفة أخر...ولا نتخلص من ملك حتى ندق الطبول لملك جديد....كان قانون السلالات الملكية ينسحب أيضا على السلالات الشعرية..)
وحين قال:
نرفــــض الشعر مسرحا ملكيا مـــن كراسيه يحرم البسطاء
نرفض الشعر أن يكون حصانا يمتطيه الطغاة والأقوياء
شعرنـــا اليوم هجمة واكتشاف لا خطوط كوفـــــــية وحداء
كل شعر معـاصر ليس فـــــيه غضب العصر نملة عرجـاء
مـــا هو الشعر ان غدا بهلوانا يتسلــــــــــى برقصه الخلفاء
ما هو الشعر حين يصبح فارا كسرة الخبز همـــــه والغذاء
الفـــدائي وحده يكتب الشعر وكــــــــــــل الذي كتبنا هراء
انه الكــاتب الحقيقي للعصر ونــــــحن الحجاب والإجراء
عندمــا تبدأ البنادق بالعزف تمــــــــوت القصائد العصماء