تعيش موريتانيا اليوم أزمة سياسية عميقة وحادة، تزداد حدتها يوما بعد يوم، وهذه الأزمة ليست إلا واجهة لأزمات عديدة أخرى، منها الاجتماعي، والاقتصادي، والحقوقي، والثقافي، والأخلاقي. ولقد أدت كل هذه الأزمات مجتمعة إلى غياب الدولة، وإلى تنامي الخطاب القبلي والجهوي والعرقي على حساب الخطاب الوطني الجامع.
ومما يزيد الأمور تعقيدا هو أننا نعيش كل هذه الأزمات في ظل ظرفية تاريخية عصيبة، وفي منطقة جغرافية غير آمنة تفككت فيها دول عديدة، كانت تبدو ظاهريا ـ على الأقل ـ بأنها أكثر أمانا وأكثر تحصينا من بلادنا.
إن كل هذه المخاطر الداخلية والخارجية التي تهدد وطننا، وتهدد كيانه، هي التي أجبرتنا كمجموعة من الشباب المهتم بالشأن العام، على التحرك بشكل عاجل، وإطلاق صرخة أو نداء الرابع من دجمبر الموجه للطيف السياسي، خاصة منه المعارض، وذلك لاعتقادنا الراسخ بأن حل الأزمة السياسية التي تعاني منها البلاد، قد يكون هو المدخل السليم لحل بقية أزماتنا الأخرى، سواء منها الاجتماعي، أو الحقوقي، أو الاقتصادي، أو الثقافي..
ولأننا نعتقد أيضا، بأن حل الأزمة السياسية لابد له من وجود معارضة موحدة وقوية وقادرة على أن تخلق توازنا مع السلطة القائمة، ولأننا نعتقد ذلك، فقد اقتصرت اتصالاتنا في المراحل الأولى على أحزاب المعارضة (بشقيها المقاطع والمشارك في انتخابات 23 نوفمبر)، وعلى بعض الشخصيات الوطنية المستقلة، وكذلك بعض النقابيين، وذلك من أجل وضع تصور لمشروع بناء حلف أو جبهة وطنية قادرة على أن تخلق توازنا مع السلطة يُمَكن من تجاوز بعض الاختلالات الهيكلية التي تعاني منها ديمقراطيتنا الناشئة.
إن الدخول في أي حوار مع السلطة من قبل تأسيس مثل هذا الحلف لن يكون له أي فائدة. كما أن الدخول في أي انتخابات قادمة أو مقاطعتها لن يأتي بأي نتائج، إذا ما ظلت المعارضة مفككة ولا تمتلك إستراتيجية واضحة كما هو حالها الآن.
ولذلك فنحن في نداء الرابع من دجمبر نعتقد بأن أي دعوة للحوار مع السلطة لن تأتي بأي نتيجة تذكر ما لم يسبق تلك الدعوة حوار واسع بين الطيف المعارض لا يقتصر فقط على الأحزاب السياسية المعارضة، بل يمتد ليشمل النقابات ومنظمات المجتمع المدني وكل الحركات والقوى الشبابية، وكذلك بعض الشخصيات الوطنية المستقلة، وذلك من أجل خلق حلف واسع أو جبهة وطنية قوية قادرة على أن تنتزع من السلطة القائمة كل التنازلات اللازمة لتنظيم انتخابات رئاسية شفافة تختلف عن الانتخابات التشريعية والبلدية الماضية، وإجبارها (وهذا هو الأهم) على الالتزام بما تم الاتفاق عليه عند البدء في تنفيذ تلك التنازلات.
وسعيا منا، في نداء الرابع من دجمبر، إلى الإسراع في خلق تشكيل تلك الجبهة أو ذلك الحلف قبل البدء في أي حوار مع السلطة، فإننا نتقدم بالمقترحات التالية:
أولا : إطلاق حوار فوري بين كل أحزاب المعارضة (مقاطعة أو مشاركة) من أجل تأسيس نواة الجبهة أو الحلف المنتظر، على أن يمتد ذلك الحوار في وقت لاحق ليشمل النقابات ومنظمات المجتمع المدني، وبعض الشخصيات الوطنية المستقلة الوازنة، هذا فضلا عن فتح المجال واسعا لمشاركة الشباب، ولإعطائه المكانة التي تناسبه في تلك الجبهة أو ذلك الحلف المنتظر...."
إن كل ما قرأتم سابقا لم يكن إلا مجرد فقرات تم نسخها دون أي تعديل أو تحريف من خارطة طريق تم تقديمها منذ عامين للأحزاب المعارضة ولعدد من النقابيين ومن الشخصيات المستقلة من طرف ممثلي "نداء الرابع من دجمبر".
لقد عدتُ إلى خارطة الطريق هذه بمناسبة مرور الذكرى الثانية لإطلاق نداء الرابع من دجمبر، وهذا النداء لمن لا يعرفه هو نداء أو صرخة استغاثة تم إطلاقها منذ عامينمن طرف مجموعة من النشطاء في فترة عصيبة كانت فيها الأحزاب المعارضة تعيش انقساما حادا بسبب مشاركة بعضها في انتخابات 23 نوفمبر ومقاطعة أغلبها لتلك الانتخابات.
أطلق النداء في تلك الظروف العصيبة، ووقعه المئات من الشباب، وتم اختيار لجنة مفاوضة من خمسة أشخاص تولت الاتصال برؤساء الأحزاب المعارضة وبالنقابيين وبالشخصيات المستقلة، وذلك من أجل حثهم على بذل ما يمكن بذله من أجل توحيدالمعارضة الموريتانية في إطار واحد يجمع كل الأحزاب المعارضة والنقابات ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات المستقلة ذات المزاج المعارض هذا بالإضافة إلى القوى والحركات الشبابية الفاعلة في الميدان.
بعد ثلاثة أشهر من إطلاق نداء الرابع من دجمبر، وبعد سلسلة من اللقاءات والمشاورات بين الأطراف المعنية تم الإعلان عن تشكيل المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، وفي نفس اليوم الذي تم فيه الإعلان عن ميلاد المنتدى قررنا في نداء الرابع من دجمبر أن نعلن عن حل هذا النداء، وذلك على اعتبار أن الهدف الذي تأسس من أجله النداء قد تحقق، حتى وإن كانت هناك أحزاب معارضة لم تقبل بالانخراط في هذا المنتدى، وحتى وإن كانت الحركات والقوى الشبابية قد غابت عن هذا المنتدى.
إن خارطة الطريق هذه، والتي تم عرضها فقرات منها في هذا المقال، لا تزال مفيدة، وقد يكون تحيينها في غاية الأهمية، وخاصة عندما يتعلق الأمر ببنود الخارطة التي لم يتم تنفيذها حتى الآن، فمن الواضح بأن المعارضة الموريتانية لا تزال بحاجة إلى مزيد من التوحد، وهي بحاجة أكثر إلى أن تضع إستراتيجية واضحة المعالم تهدف إلى فرض التغيير على أن تستبعد تلك الإستراتيجية كل وسائل التغيير غير الدستورية (الانقلاب والثورة) وتستبقي وسيلة واحدة أو أسلوبا واحدا للتغيير يرتكز بالأساس على تكثيف النضال السلمي، وبمختلف أشكاله، من أجل فرض انتخابات شفافة يمكن أن تفضي إلى تناوب سلمي على السلطة عن طريق صناديق الاقتراع. وبطبيعة الحال فلا يعني استبعاد الانقلاب أو الثورة كوسيلتين للوصول إلى السلطة أن لا تكون للمعارضة الموريتانية خطة جاهزة للاستفادة من أي انقلاب أو أي ثورة يمكن أن تحصل في المستقبل. يجب أن تكون هناك خطة جاهزة لاستغلال أي انقلاب أو أي ثورة يمكن أن تحصل مستقبلا بفعل الانسداد السياسي، ولكن بشرط أن يتم ذلك الاستغلال بطريقة مثلى تساهم في تصحيح مسارنا الديمقراطي المتعثر.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل