أخذوا بذنب لم يقترفوه، ظلمهم من أدخلهم دنيا لن ترحب بهم وظلمهم المجتمع حين اعتبرهم خطيئة دون أن تكون لهم يد في جريمة حلولهم ضيوفا ثقيلي الظل على مضيف لن يستقبلهم بالترحاب طبعا.
أطفال برآء رغم العوز، لم تستطع الفاقة أن تسرق البراءة التي ترتسم على وجوهم لكن النقص الذي يعانونه يبدو جليا.
مع تمسك مجتمعنا بكثير من التعاليم الإسلامية ومع أن الإسلام بطبيعته دين العدل وإحقاق الحق يبقى الطفل فاقد السند العائلي أي الطفل الذي ولد خارج الإطار الشرعي يبقى شخصا غير مرغوب حتى من أقرب الناس له بل وأكثر من ذلك يجد الكثير من هؤلاء الأطفال أنفسهم مرميين في الشوارع بعد أن تخلت عنهم الأمهات حين وضعنهم.
الرأي الشرعي
الشيخ والعلامة حمدا ولد التاه قال إن أم الابن فاقد السند العائلي أو ابن الزنا كما يسميه الشرع "ملزمة برعايته، وتربيته" وعليه، فيجب أن تقوم بتربيته ورعايته كغيره من الأبناء، وإن تم إرساله إلى دار أيتام أو حضانة، فلا بد من متابعته ورعايته، والإنفاق عليه، لأنه لا ذنب له فيما حصل، حيث إنها جناية أمه مع من فعل بها ذلك، وعليها أن تتحمل النتيجة. غير أن فضيلة الشيخ لم ينس أن يلفت إلى أن "التكفل بهؤلاء الأطفال من قبل الخيرين له أجر عظيم ذلك أنهم أشخاص مظلومون حيث رماهم ذووهم دون أن يكون لهم ذنب" مؤكدا أن "من اجتباه الله بقدرة على تربية أحد الأطفال فاقدي السند العائلي فإنه مأجور بإذن الله أجرا وفيرا مؤكدا أهمية التكفل عموما وبفاقدي السند العائلي بشكل خاص نظرا لأنهم في وضع صعب حيث لا أم ولا أب ولا مأوى".
وأوضح العلامة حمدا أن المجتمع الذي يتراحم ويتكفل خيروه بفقرائه ومعوزيه يظل بأحسن حال لافتا إلى أن "من أحوج الناس للتكفل هذه الفئة التي ينظر إليها المجتمع على أنها خطيئة في حين أن الشرع بريء من هذا الوصف فأبناء الزنا أشخاص ككل البشر ولا ذنب لهم في أخطاء لم حصلت قبل ميلادهم بل هم من يستحقون منا كل العطف وكل الرحمة ونتوخى من ذلك رضى المولى عز وجل".
الجهات الرسمية واهتمامها بالأمر
بعد أن كان هذا الصنف من الأطفال تابعا لوزارة الصحة بحكم تبعية الشؤون الاجتماعية للوزارة نفسها وبعد فصل الشؤون الاجتماعية عن الصحة سنة 2007 أصبحت لفاقدي السند العائلي خلية خاصة بهم في وزارة الشؤون الاجتماعية والطفولة والأسرة وتعمل هذه الخلية ـ حسب تصريح لاله بنت اعلي رئيسة مصلحة الأطفال فاقدي السند العائلي بمركز الحماية والدمج الاجتماعي للأطفال ـ على استقبال طلبات التكفل ويقتضي ذلك إحضار الأسرة المتكفلة لبطاقتي تعريف الأب والأم وأرقام هواتفهما وعنوان سكنهما في حالة الأسرة الكاملة وبطاقة تعريف الأم وأرقام هواتفها وعنوان سكنها في حالة ما إذا كان الطلب مقدما من امرأة لا زوج لها.
وتضيف لاله أن المركز يجري بحثا اجتماعيا على طالبي التكفل وذلك من أجل معرفة وضعيتهم الصحية والاجتماعية والاقتصادية مؤكدة أن "المركز لا يعطي الحق في التكفل إلا للأسر الموريتانية فقط".
يطلع الناس عادة على الأطفال فاقدي السند العائلي مرميين في القمامة أو عند باب أحد المساجد أو المنازل أو في حالة هروب الأم بعد إنجابها لمولودها في المستشفى وغالبا ما تجد المرأة من يساعدها في التخلص من ابنها لتكون الجريمة جماعية حيث تتدخل أمها أحيانا لرمي المولود أو حتى قتله وأحيانا يكون التدخل من الأخوات أو الصديقات إلخ.
عندها يحضر أفراد الشرطة حسب الاختصاص المكاني ليُعدوا محضرا عن الموضوع ويقوموا بنقل المولود إلى مركز الاستطباب الوطني.
وهنا يبدأ دور مركز الحماية والدمج الاجتماعي للأطفال، حسب السيدة لاله.
وتبين رئيسة المصلحة أن المستشفى "يتصل بمصلحة الأطفال فاقدي السند العائلي بواسطة أرقام هواتف تعمل على مدار الساعة لترسل المصلحة فورا حليب الأطفال والملابس وغيرها من مستلزمات المواليد الجدد ثم يطلع المركز على وضعية الوليد الصحية وما إذا كان بقاءه في المستشفى ضروريا وإلا فإن المصلحة تنقله إلى واحدة من مجموعة مربيات يعملن لصالحها".
بعدها تبحث رئيسة المصلحة في طلبات المتكفلين وحين تجد طلبا ينص على مواصفات المولود الموجود عند المربية تتصل بالأسرة طالبة التكفل لتجري عقد تكفل بين المركز والأسرة المتكفلة ويتم تسليم الطفل بسرية تامة بعد ذلك يجري المركز متابعة لصحة الطفل حيث يحرص على أن يأخذ الطفل كل اللقاحات المبرمجة للأطفال إلخ.
بعد مضي ستين يوما على تكفل الأسرة بالطفل يرسل مركز الحماية والدمج الاجتماعي للأطفال طلبا لوكيل الجمهورية من أجل حل مشكل الأوراق المدنية حيث يعطي الوكيل للوليد اسم أب وأم مستعارين يتم إعداد أوراقه عليهما.
تقول لاله بنت اعلي رئيسة مصلحة الأطفال فاقدي السند العائلي إنه منذ افتتاح مركز الحماية والدمج الاجتماعي للأطفال أواخر سنة 2007 وحتى شهر مارس 2014 "استلمت المصلحة مائتين وثلاثين طفلا على مستوى مدينة نواكشوط وحدها علما أن للمركز فروع في عدة ولايات منها نواذيبو روصو وكيفه إلخ منهم أربعة فقط مازالوا عند مربيات المركز في انتظار متكفلين والباقون تم التكفل بهم جميعا وهم في وضعيات جيدة حسب المتابعة التي تجريها المصلحة بشكل دوري" .
في السنة الماضية (2013) تلقى المركز واحدا وأربعين طفلا فاقدا للسند العائلي.
وقد بلغ عدد الوفيات في المائتين والثلاثين المذكورة حتى الآن ثلاث عشرة حالة وأغلبها ناتجة عن سوء الوضعية الصحية التي وجد الطفل عليها نظرا لبقائه فترة يومين أو أكثر قبل العثور عليه تضيف لاله.
ما بعد الضيق إلا الفرج!
فاطمة وهي متكفلة بطفل فاقد للسند العائلي قالت لنا إنها استلمت خالد وعمره أسبوعان فقط حيث كانت قد تقدمت بطلب لمركز الحماية والدمج الاجتماعي وبعد أن مضى ما يربو على الشهر اتصلوا بها ليأتيها "الخبر السار" ويخبروها أن طفلا بالمواصفات التي أرادتها وصلهم لكنه مازال في المستشفى نظرا لأمراض وجد يعاني منها، ذهبت فاطمة إلى مركز الاستطباب الوطني بكل تحمس غير أنها وجدت الطفل في حالة صعبة فقد أمضى أكثر من اثنتي عشرة ساعة وهو مرمي في مكب القمامة حسب تقديرات الأطباء لكنها تحلت بالصبر وظلت تنتظر إلى أن شفي الطفل وسلمها إياه المركز بعد ذلك ذهبت به لبيتها الواقع في حي سوكوجيم ps حيث منحته حبها ورعايتها وسمته خالد وهاهو اليوم يكبر على عينها كما تقول إذ زاد عمره على أربع سنوات كانت من أسعد سنوات حياتها وتؤكد فاطمة أنها تكفلت بخالد طلبا للأجر بالدرجة الأولى لكنها أيضا لم تنجب إلا بنتا واحدة بعدها أصيبت بمرض اضطرها لأن تستأصل رحمها وظلت تتوق لأن يكون لها ابن ذكر ليأتي خالد ويملأ لها الفراغ الذي كانت تعيشه لكن فاطمة قالت إنها تلقت صعوبة كبيرة في التكفل به حيث حذرها كثير من أقاربها ومعارفها من احتضان ابن ليس ابنها لكن ما أعطاها جرأة ودفعا هو موافقة زوجها وبنتها التي لما تصل سن الخامسة عشرة في ذلك الوقت.
معاناة نفسية وبدنية
الخبير الاجتماعي عبد الرحمن ولد محمد الأمين قال إن وضع الطفل فاقد السند العائلي في موريتانيا إن عثر عليه وتم التكفل به أحسن بكثير من وضعه في الدول الأخرى وذلك بحكم اختلاف الطرق المتبعة ففي البلدان الأخرى تتم تربية الأطفال فاقدي السند العائلي داخل مراكز الإيواء حيث يكبر الطفل وهو يدرك أنه وحيد لا عائلة له مما قد يؤثر عليه في مستقبله إذ يولد ذلك عادة أمراضا نفسية أقلها خطورة حب الانفراد بالنفس وحسد الآخرين ممن لهم عائلات مما قد يدفع بالطفل إلى أن يصبح مجرما حين يبلغ ويدرك حقيقة وضعه أما في موريتانيا فإن الوضع يختلف إذ أن الطفل يتربى داخل عائلة يحس بالانتماء لها وإن كان سيدرك حين يكبر أنه ولد خارج الإطار الشرعي وربما عيره أصدقاؤه بذلك وهنا يؤثر هذا بدون شك عليه لكن الوضع سيبقى أهون عليه من وضع نظرائه في مراكز الإيواء في الدول الأخرى.
ومهما بذلت السلطات في سبيل دمج فاقدي السند العائلي في المجتمع ومهما بذل المتكفلون من أجل منحهم العطف والتربية الحسنة فإن هؤلاء الأطفال سيبقى عندهم نقص في شتى الجوانب لأنه هيهات أن يستطيع أي شخص أن يحل محل الأبوين.
إعداد: خديجه بنت ذو النورين