البشام الإخباري /لا يشغل الحكومة الموريتانية هذه الأيام أكثر من ارتفاع وتيرة الهجرة غير النظامية في الفترة الأخيرة، مما جعلها تدق جرس الخطر بشأن تداعيات هذه الظاهرة على الخدمات الأساسية والاجتماعية والاقتصادية.
في عام 2024، كررت الحكومة في أكثر من مناسبة أن المهاجرين يشكلون عبئًا اقتصاديًا واجتماعيًا على البلاد، مشددة على أن هذا الوضع ناتج بالأساس عن الوضعية الأمنية المعقدة والحسّاسة في المنطقة، والتي أدت إلى تدفق المهاجرين إلى أراضيها.
أغلب هؤلاء المهاجرين قادمون من دول جنوب الصحراء، خاصة من مالي التي تعاني من حرب أهلية أدت إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، مما تسبب في نزوح أزيد من 150 ألف شخص، تستضيفهم موريتانيا في مخيم “امبره” شرقي البلاد.
وتؤكد الحكومة أن موريتانيا لم تعد مجرد بلد عبور للمهاجرين نحو وجهات أخرى، بل أصبحت وجهة نهائية لهم.
سلاح جديد
وفي هذا السياق، أعلنت سلسلة من الإجراءات لمكافحة هذه الظاهرة، كان أحدثها إعلان الوزير الأول، المختار ولد أجاي، عزم حكومته بناء ما سماه بـ”حزام أمني إلكتروني” حول نواكشوط للتصدي للمهاجرين.
وقال ولد أجاي، أمام البرلمان يوم الجمعة الماضي، إن الحكومة ستجهز جميع المعابر الحدودية بالآليات الفنية الضرورية، وستبدأ العمل في بناء حزام أمني إلكتروني حول مدينة نواكشوط لضبط الدخول المنظم إليها.
وأوضح الوزير الأول أن هذه الآليات ستوفر جميع الظروف والوسائل للجهات المعنية بترحيل المهاجرين المخالفين للنظم والقوانين الوطنية إلى بلادهم “في ظروف لائقة”.
واعتبر ولد أجاي أن مكافحة الهجرة غير النظامية تشكل أحد أولويات العمل الحكومي لسنة 2025، عبر تنفيذ خطة متكاملة تجمع بين الإطار القانوني الملائم والآليات الفنية الفعالة والموارد البشرية واللوجستية الضرورية.
أسئلة جديدة
يثير الحزام الإلكتروني الجديد تساؤلات حول كيفية تنفيذه في نواكشوط والآليات التي ستُعتمد لذلك، بالإضافة إلى مدى تأثيره على حرية التنقل لمواطني دول الجوار التي تربطها بموريتانيا اتفاقيات في هذا المجال.
ويرى الخبير الأمني أحمد طالب أعل طالب أن بناء هذا الحزام الأمني ليس أمرًا يسيرًا ويمكن أن يستغرق وقتًا أطول من المتوقع، مشيرًا إلى أن تشييد مثل هذا الحزام يثير تساؤلات، من بينها مصير الاتفاقيات مع دول الجوار، خاصة السنغال ومالي، التي تربطها بموريتانيا اتفاقيات تتيح حرية التنقل دون تأشيرة أو جواز سفر.
وقال أعل طالب، في مقابلة مع “صحراء 24″، إن إنشاء حزام أمني إلكتروني لحماية الحدود الموريتانية يمثل تحديًا كبيرًا لا يمكن إنجازه في غضون أشهر.
وأضاف أن الحزام لا ينبغي أن يقتصر على مدينة نواكشوط، لأنها ليست مدينة حدودية، بل يجب أن يشمل كامل الحدود البرية.
وأشار الخبير الأمني إلى أن الحفاظ على أمن الحدود الطويلة مع السنغال ومالي يتطلب موارد ضخمة وآليات فعالة لضمان التنفيذ.
وأوضح أن البنية التحتية الحالية للمعابر الحدودية قادرة على استيعاب التقنيات الجديدة، لكنها لا تغطي جميع النقاط الحدودية، مما يشكل فرصة لتسلل المهاجرين غير النظاميين.
وشدد أعل طالب على أن التحدي الأكبر لا يكمن في اتخاذ القرار بإنشاء الحزام الأمني، بل في توفير الموارد اللازمة وتطبيق الآليات المناسبة لضمان فعاليته.
تحديث القوانين
وليس هذا الإجراء الوحيد الذي أعلنت الحكومة اتخاذه، فمنذ أشهر، صوت البرلمان على قانون جديد لتحديث الأحكام الجنائية المتعلقة بنظام الهجرة.وينص القانون على فرض غرامات مالية تتراوح بين 50 ألفًا و500 ألف أوقية على الأفراد الذين يدخلون البلاد بطرق غير قانونية أو يساعدون على ذلك.
كما ينص على عقوبات بالسجن تصل إلى سنتين لمن يثبت تورطهم في تزوير وثائق الهجرة، بالإضافة إلى إبعاد المخالفين وحظر دخولهم لمدة تصل إلى عشر سنوات.
وأوضح وزير الداخلية والتنمية المحلية، محمد أحمد ولد محمد الأمين، خلال جلسة نقاش لهذا القانون أمام البرلمان، أن القانون يأتي في إطار مواجهة هذه الظاهرة والحد من تداعياتها الأمنية والاجتماعية والاقتصادية ومن ضغطها على الموارد المحلية، مؤكدًا الحاجة الماسة لسد النقص في الترسانة القانونية المتعلقة بمحاربة الهجرة غير النظامية.
كما أعلن أن حكومة بلاده أبعدت العام الماضي أكثر من 10 آلاف مهاجر، مما يعني زيادة قدرها 14% عن سنة 2023 التي أبعد فيها أكثر من 9 آلاف أجنبي.
وقال وزير الداخلية إن موريتانيا نظمت إحصاءً للمهاجرين المستقرين في البلاد لتسوية وضعهم القانوني، مع إعفائهم من دفع رسوم الإقامة، وهو ما مكن من إحصاء أزيد من 130 ألف مهاجر في العاصمة نواكشوط وحدها، وهو رقم كبير يعكس التوسع المخيف لهذه الظاهرة، حسب تعبيره.