أكثر إرهابي مطلوب هو توني بلير...، والآن نحن نقول كلمتنا فيما فعلته حكومة بلير)، هذا ما قالته سيدة بريطانية من عائلات الجنود الضحايا في الحرب، مغالبة دموعها متحدثة في المؤتمر الصحفي بعد قراءة تقرير لجنة التحقيق في مشاركة بريطانيا في احتلال العراق أمس.
بريطانيا تلقت صدمة ثانية بعد صدمة تصويت الخروج من الاتحاد الأوروبي، الصدمة جاءت بعد تقرير اللجنة التي تحقق في تورط بريطانيا في حرب العراق برئاسة السير جون تشيلكوت الذي صدر أمس (تقرير 2.6 مليون كلمة)، بعد سبع سنوات من التحقيق والتحري عن دور بريطانيا، بالذات حكومة توني بلير، في احتلال العراق، التقرير انتقد بشدة التدخل البريطاني في العراق الذي وصفه بالغزو الصريح الذي جاء متعجلا قبل الاختبار لكل خيارات السلام مع صدام حسين والذي خلص التقرير أيضا إلى انه - أي صدام - لم يكن حينئذ يشكل أي خطر محتمل وقريب على الشعب البريطاني.
التقرير كشف كيف كان بلير مستسلما للارادة الأمريكية، ويستخلص مما جاء في التقرير أن بلير بدا متآمرا متحالفا مع عصابة المحافظين الجدد التي هيمنت على حكومة جورج بوش، والتي كانت تسعى لاحتلال العراق بأية صورة.
أوضح التقرير أن توني بلير تلقى تحذيرات حول خطورة الاحتلال وما قد يترتب عليه من بروز لـ(جماعات الإرهاب)، مثل القاعدة والآن داعش والحشد الشعبي.
ما توصل إليه التقرير يؤكد ما سبق ان حذر منه أصدقاء أمريكا وبريطانيا مثل السعودية. والأمير سعود الفيصل - يرحمه الله - لم يترك فرصة إلا وحذر من خطورة غزو العراق على المنطقة، وهو ما نشهده الآن من دمار في المنطقة وإطلاق ليد إيران تفعل ما تريد بتواطؤ أمريكي بريطاني.
الذي نرجوه بعد صدور التقرير هو أن يعرف العالم أن الإرهاب في المنطقة، وبالذات خروج جماعات الإرهاب مثل داعش، هو نتيجة للتدخل في شؤون المنطقة الذي أوجد البيئة المثلى لنمو جماعات العنف وأدام الصراع في المنطقة وتسبب في وجود مشكلة اللاجئين التي تهدد وحدة أوروبا، وتسبب في توسع عمليات الإرهاب.
التقرير الصدمة نأمل أن يكون مصارحة مع النفس، وبداية لمواجهة خطورة الأوضاع بالمنطقة.
ايضا نأمل أن يكون بداية جادة للفهم الحقيقي للإرهاب ولمسببات العنف في المنطقة.
لقد عانينا من تجاهل الحقائق، فبعد تصاعد موجة الإرهاب والعنف، وكمحاولة لفهم ومعرفة هذه الاشكالية، تتجه الصحف وقنوات التلفزة بالذات في بريطانيا وأمريكا للحديث عن الإرهاب والأدلجة ونمو الراديكالية الإسلامية وما أنتجته من جماعات الإرهاب مثل القاعدة وداعش.
طبعا هؤلاء لا يتحدثون عن الجماعات الإرهابية ومنظمات الحشد الشعبي الممثلة للإرهاب الإيراني الخارجة من عباءة الخمينية، والتي استخدمتها إيران لاحتلال العراق.
والسبب: لأن لهم معها مصالح سياسية في العراق وسوريا، فتحالف الأضداد والتنكر للأصدقاء مقبول في أدبيات السياسة الغربية البراغماتية.
الجماعات الإرهابية خرجت من الفكر المتشدد وأدبيات الإسلام السياسي، وهذه الجماعات بعد محاصرتها ومطاردتها وحظر منشوراتها المروجة لأفكارها في الدول العربية والإسلامية هربت إلى الغرب، بالذات في بريطانيا وأمريكا.
هناك وجدت الحماية القانونية رغم أن فكرها المتشدد كان واضحا وصريحا، وأذكر في مطلع التسعينيات الميلادية وفي أحد المؤتمرات الطلابية الإسلامية العربية في سانت لويس لم يتردد أحد القيادات الاخوانية من الدعوة صراحة إلى (عملية)، أو كما سماها (تكة واحدة) لكي يخرج الجنود الذين جاؤوا لتحرير الكويت من المنطقة.
وفهمنا حينئذ ماذا يقصد.
هل يعقل أن أمريكا بأجهزتها الأمنية العديدة واستخباراتها التي عرفت هذه الجماعات الجهادية في أفغانستان وتعاونت معها واستخدمتها، لم تكن مدركة لما يجري، ومدركة لخطورة التعاون مع هذه الجماعات.
المطبوعات بأنواعها التي تروج لأدبيات الإسلام السياسي، ومعها القنوات التلفزيونية والمؤتمرات العامة المعلنة التي كانت تحرض على القتال والأعمال الإرهابية ضد الحكومات العربية والإسلامية، وتروج الفكر المنحرف الملوث لهذه الجماعات، كانت تنشر وتبث من الدول الأوروبية ومن أمريكا، هذه هي البيئة الحاضنة لأفكار التطرف والمفتوحة للتمويل وغسل الأموال، لماذا لا يتم الحديث عنها؟
لقد تساهلوا مع هذه الجماعات لأنهم استخدموها كورقة ضغط وابتزاز سياسي على حكومات المنطقة، لذا هم ساهموا في احتضان الفكر المتطرف، ومن يعدون الأبحاث وينشرون المقالات والتقارير في الصحف الأمريكية او الأوروبية لا يأتون على هذه الحقائق، وإذا نحسن الظن ونضع جانبا أدبيات المؤامرة..
نقول ربما الإغفال هو جهل وضعف في الرصد والتحليل.
في الواقع، هم ليسوا بحاجة إلى التعب في الرصد والبحث، لقد وجدوا هدفا سهلا وحيدا يرمون عليه أسباب التطرف والإرهاب، إنها السعودية التي تحتضن وتمول الإرهاب.
انساقوا وراء الرواية الايرانية التي مررت هذه الأكاذيب تغطية لأعمالها الارهابية التي فجرت المنطقة بدءا من ثورة الخميني التي أطلقت الإسلام السياسي وأدخلت الأعمال الانتحارية ضد الأهداف الغربية.
هل نقول: الآن حصحص الحق بعد التقرير البريطاني الأخير؟ داعش التي تصعد أعمالها الإرهابية في العالم خرجت من رحم المأسأة في العراق بعد الاحتلال الأمريكي البريطاني، خرجت من سوء التخطيط لما بعد الحرب والاحتلال، تم حل مؤسسات الدولة وإنشاء عملية سياسية قائمة على المحاصصة السياسية والطائفية، وطبقت المحاصصة الطائفية على كل شؤون العراق مما أطلق اليد الايرانية في العراق وانتهى البلد ليكون تحت الاحتلال الايراني عبر حزب الدعوة الطائفي الذي أوجد الفرصة لقيام داعش وغيرها من جماعات الحشد الشعبي الشيعية الإرهابية.
في مصر والسعودية والجزائر وبقية الدول العربية والإسلامية، الجماعات الارهابية لم يتم التساهل معها الآن وسابقا، فمنذ ثلاثة عقود دخلنا في مواجهة صريحة معها، مع فكرها ومع رموزها الإعلامية والفكرية ومع مموليها.
مع الأسف، هذه المواجهة كانت تجد الانتقاد والتشهير من الجماعات الحقوقية في الغرب، فهذه دافعت ومازالت تدافع عن مجرمين رفعوا السلاح ومارسوا التحريض الصريح على العنف والارهاب، وبعض هؤلاء تسميهم المنظمات الحقوقية مقاتلين ومناضلين احرارا! وشهدنا ردة الفعل هذه على إعدام الإرهابيين الأخيرة قبل بضعة أشهر.
لقد وقعنا بين سندان نفاق وازدواجية معايير الغرب ومطرقة هذه الجماعات الإرهابية.
اذا طاردناهم وتعقبنا رموزهم الفكرية ومحرضيهم واعتقلناهم وحاكمناهم وعاقبناهم، اتهمنا بالديكتاتورية وعنف الدولة، واذا وقعت الأعمال الإرهابية في الدول الأوروبية او في امريكا، انطلقت المكينة الإعلامية لتقول ان (السعوديين الوهابيين!!) هم السبب في نمو الإرهاب والتطرف.
ماذا يريد هؤلاء؟
في المملكة، لا يهمنا ماذا يريدون وما يقولون.
المهم أن نقوم بما هو واجب علينا لحماية بلادنا وأمننا، نقوم بذلك بما نراه يحقق مصالحنا، ويحقق السلام الاجتماعي، نحن نخوض مواجهة ميدانية ومواجهة فكرية، بما تمليه ضوابط الشريعة وأدبيات وأخلاقيات الحكم، وليس عبر ردود الأفعال غير المحسوبة والتي قد تجرنا الى توسع المواجهة وارباك وحدتنا الوطنية.
المواجهة لدينا تقودها الدولة ويدعمها المجتمع ويقف معها بكل حزم كبار مشايخنا وعلمائنا ودعاتنا، لم نتستر على الإرهاب ولم نهادن المتورطين فيه.
ولعل العالم يدرك الآن بعد التقرير البريطاني الأخير ان الإرهاب مشكلة عالمية ومسبباتها تتحمل جزءا منها الدول الكبرى التي لم تمارس مسؤولياتها الأخلاقية لاحتواء الصراعات والحروب، بل هي السبب الرئيس فيها، كما ان القضاء على الإرهاب مسؤولية دولية مشتركة، انها ليست مشكلتنا وحدنا ولا نتحمل تبعاتها كشعب أو كحكومة.
وكالات