في حفل اختتام الحوار (الذي حضرته السيدة الأولى) وجه رئيس الجمهورية شكرا خاصا لكل الذين طالبوه بالترشح لولاية ثالثة دون أن يتبنى مطلبهم الرامي الى تغير الدستور، وهذا إجراء طبيعي كان منتظرا من الرئيس الذي سبق له التعبير عن التمسك بعفة القسم ورفض الحنث باليمين.
غير أن جزئية الكلمة الرئاسية المتعلقة بالذكر العابر لدعاة تغيير المادة 28 ذكرتني بعبارة " لقد صرفته بكثير من المال وقليل من الكلام" التي أجاب بها الملك وليام دورانج Guillaume III زوجته، بعد ما سألته عن كيفية تخلصه من غوستانتين هيجياس Costantin huygens ، الذي هو فاعل في البلاط الانجليزي تميز أدائه بالإسراف الفولكلوري في إظهار الدعم للملك... فهل كان رئيس الجمهورية باستحضاره لموروث هذا الملك المتدبر يرسي دعائم جديدة تؤسس للتحرر مما آلت اليه الأمور؟ وهل كان لحضور السيدة الأولى علاقة بذلك ؟
لست أدري
المؤكد أن رئيس الجمهورية الحالي عايش على مدى ربع قرن النخب وطرق تعاطيها مع السلط المتعاقبة في موريتانيا ، ولم يخف في يوم من الأيام امتعاضه من أداء النخب، ولعل جوابه على سؤال لأحد الصحفيين في مدينة روصو سنة 2009 يشي بامتلاك الرئيس آلية عقلية تأبى الانخداع.
وعلى كل حال، أعاد الرئيس (وإن بصورة ضمنية) التعبير من جديد عن هذا الامتعاض، خلال الكلمة التي مثلت من جهة أخرى استجابة المسؤول الأول لمطلب المعارضة الملح بشأن اتخاذ موقف جلي يزيل اللبس الحاصل في أذهان عامة الناس.
فبقدر ما كانت كلمة الرئيس حاسمة في إنهاء الجدل الدائر بخصوص ما يشاع من وجود نية لخرق الدستور، فإن الكلمة أضحت متنفسا نفذ منه الجميع سبيلا الى الاستفادة من الوضع الجديد.
وهكذا مكنت كلمة الرئيس الأغلبية من التمتع بريع ما وصل اليه مستوى النضج الديمقراطي، وجاز لهذه الأغلبية أن تفتخر بان مشروعها أفضى الى نتائج ملموسة أكسبتها رصيدا ينضاف الى المنافع والهيبة التي حققتها على مدى السنوات الماضية.
كما أتاحت كلمة الرئيس للمعارضة فرصة تبني هذا التطور باعتباره نتاجا طبيعيا لفعل الرفض والانتقاد والتوجيه والضغط السلمي.
اما نحن البسطاء فلقد أهدانا الرئيس ما من شأنه أن يسمح لنا بالتكفير عن الممارسة الطويلة لعملية اجترار اسطوانة الرجل الضرورة، وذلك عن طريق الانتشاء بالرونق الأخلاقي الذي ستضفيه على الحياة العامة الصور التخيلية للبدايات الأولى للتجسيد العملي لمبدأ التناوب السلمي على السلطة سنة 2019
وقت اذ ، سيختفي الإفراط في هُجْر القول ويتوقف تحوير فكرة الدولة من مشروع للإنصاف الى مجرد نظام لترميم الطموحات الذاتية من خلال امتهان السير في ظلال المنفعة والتفنن في عبادة الحكام ثم سبهم بعد أن يرحلون.
عندما نتخلص من كل ذلك، سيكون لنا أن نعتز بجدارة بأننا قدمنا للجوار الإقليمي ديناميكية كفاحية يسمو بها ألمها إلى مرحلة التضحية... ديناميكية تبلسم جراح الخُطب الغابرة، فما ألحقته بنا تلك الخُطب كلفنا الكثير و سيكلفنا أكثر.......... غير أن الموضوع الآن ليس هذا.
الأستاذ/عبد الله العالم / إداري- خبير استشاري [email protected]