القلم: قبل فترة وجيزة، انتهى الحوار الذي نظمه النظام.. هل تعتقد أن النظام سيمضي قــُـدُمًا في تنظيم الاستفتاء؟
محمد محمود ولد بكار: كان الحوار رهانا بالنسبة للجميع، وقد رفع النظام ذلك الرهان (بواسطة الحوار بمن حضر) دون أن يجعلنا نتخطى نفس المشكلة المطروحة منذ 8 سنوات، والمتعلقة بالتناقض الكبير بشأن مستقبل البلد والعودة إلى ما قبل اتفاق داكار 2008، وأخرج شخصيات وطنية مرموقة راكمت الخبرة والشرعية السياسية للمعارضة وأذى الأنظمة العسكرية فحرمها من الطموح للرئاسة مثل مسعود ولد بلخير وأحمد ولد داداه، مما سيبرر الرفض الراديكالى والمبدئي للمخرجات، وعبّر، بالعكس، بدرجة كبيرة عن طموح عزيز وحده أو ثمن خروجه من الرئاسة الذي هو تغيير النشيد والعلم ومحو مجلس الشيوخ أي التأسيس للجمهورية الثالثة كإنجاز وكأنه يقايضنا: التناوب مقابل دخولي إلى تاريخ البلد بواسطة الإصلاحات أو التغيرات الكبيرة في قضايا هامة في البلد "فإذا تذكرتم بيع المدارس وجزءا من الملعب وجزءا من مدرسة الشرطة، وتكوين طبقة رأسمالية جديدة على كاهل البلد، وإضعاف اللحمة، وإنشاء مؤسسة الرحمة "الخيرية " ذات الحجم الفاحش، يجب أن تستحضروا "يا أهل موريتان الأوباش" "المطار" و"الطرق" و"الجيش "والإصلاحات الدستورية "، رغم أن هذه الأخيرة تضع البلد أكثر من أي شيء آخر أمام شرخ جديد يهدد بالانقسام الداخلي العميق، ليس على أساس إتني، لكن على أساس جهوي.
أما في ما يتعلق بتنفيذ تلك المخرجات، فأنا أعتقد أن عزيز لا يملك الشرعية الكافية لزعزعة المنظومة القانونية للبلد في أقل من 10 سنوات وإحداث تغيير في أكثر من 30 مادة من الدستور وهيئات تضم الكثير من البشر وتغيير النشيد لسبب يبقى، بالنسبة للغالبية السياسية، غير وجيه ويأتي خارج انشغالات ومطالب الطبقة السياسية، وهو يودعنا.
فتغيير من هذا المستوى يجب أن يكون جزءا من تطلعات الشعب والطبقة السياسية وبالتالي يحتاج لشرعية كبيرة لا يملكها عزيز في الواقع. فعلا أن ذلك متاح له، من خلال العامة والمتزلفين بالجملة مادام يملك السلطة الفعلية، لكن العامة ليست هي من يحدد مسارات البلد، بل السياسيون والمتعلمون، وإذا قرر المضي في الاستفتاء حول القضايا التي تم الإعلان عنها من دون إشراك المعارضة الوطنية فلن يضمن الاستقرار في ما بعد، وسيكون قد تجاوز الحدود في تعريض البلد للخطر.. أنا أؤكد ذلك وأحذر من مغبته.
على عزيز أن يحترم البلد وطبقته السياسية ونخبته وأن يرحل بهدوء وسكينة دون أن يضع البلد في مواجهة بعضه.
القلم: إذا تم تنظيم الاستفتاء، كيف تتصورون بقية المسلسل؟
محمد محمود ولد بكار: الواضح أن عزيز يركز على حل مجلس الشيوخ وبناء المجالس الجهوية (تماما صمبه باع لبصل وإشر لبصل)، فعدد أعضاء المجالس وميزانياتهم ستكون هي الأخرى عبئا على الخزينة بما يضاهي مجلس الشيوخ أو أكثر ، إذن فالسبب النهائي ليس تقليص النفقات، بل تفجير الدستور من أجل الحصول على ثغرة تضمن أو تتيح خيارات جاهزة عند الحاجة .
وعلى كل حال فإن استمرار عزيز أو نهجه لا يضمن الاستقرار بسبب نمط تسييره للشأن، كما لا يريده أحد في قرارة نفسه، فردة الفعل التلقائية لم تستثن أيا من معاونيه المقربين، وهي التصفيق الشديد عند إعلانه عدم الترشح لمأمورية ثالثة وكأنه يرفع اكراها عن الجميع، وذلك هو حقيقة الناس.
لقد ظل عزيز يضرب بعرض الحائط كل ما لا يوافقه ، فهو بذلك يكتم أنفاس الاقتصاد والسياسة، وبالتالي فالتجربة الماضية مع عزيز لا تشجع على الاستمرار معه كرئيس، بل أن امتثاله للدستور هو الطريق الإجباري للاستقرار ولإعادة ترتيب البلد قبل أن يتأزم ، وهو بذلك يمثل مصلحة مشتركة في واقع الأمر بين الكثير من الناس من كل المواقع: اقتصادية، عسكرية، السياسية واجتماعية ..
القلم: تعتقد أن المعارضة عليها أن تشارك في الحملة ضد الاستفتاء والانتخابات المقبلة؟
محمد محمود ولد بكار: ذلك تغفل، بل يجب على المعارضة أن تشارك في هذه المخرجات وتحولها لصالح التناوب والهدوء، وتقطع الطريق أمام آخر محاولات اللعب بمستقبل البلد، من خلال تقوية شروط الشفافية وظروف الانتخابات، أي بإضافة تحسينات جوهرية على نظام اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات باكتتاب محلفين والحصول على استقلالية مالية وقدرة جديدة على الرقابة وعلى تنظيم العملية، وأيضا الرقابة على الظروف والشروط : حياد الإدارة والجيش.
وتعمل على تحيين قانون تمويل وتسيير الحملات الانتخابية وتفعيله حرفيا. فعندما تـُدخل المعارضة هذه التحصينات على العملية الانتخابية ستوقف الغش وتفرض التناوب الفعلي لا محالة، فولد عبد العزيز لا يملك الدعم المطلق والتلقائي من الناس إلا أثناء وجوده في السلطة حيث سخر النظام ومزايا السلطة لخدمة أهدافه وللسيطرة على الناس، وقد تغير نظام عزيز اليوم وتغيرت قدرته على الحشد، وهو يتحول إلى موقع أضعف يوما بعد يوم.
وقد اتضح أن شعارات محاربة الفساد ليست إلا حيلة للتغطية على خلق طبقة جديدة من رجال الأعمال بعضها قادم من القاع وتؤكد المعارضة أنه يعمل لصالحه بتوجيه الاقتصاد نحو مواقع محددة.
ولم يعد بالتالي هذا الشعار يغري بأي اهتمام بسبب فشله الكاسح، وأقرب شيء إلى الذهن قضية سونمكس التي أطلق سراح مهندسها لقرابته بالرئيس، والسجون ملأى بأصحاب التجاوزات الأقل.
هذا التدخل الواسع في العملية الاقتصادية وفي مجري التفتيش والقضاء جعل التذمر واسعا وفي كل اتجاه بل وردة الفعل، وجعل الفاعلين لا يريدون تحمله أكثر ولا يريدون أي شيء يرمز لاستمراريته، بل سيتحول عنه دعم الكثيرين إذا وُضعت شروط للشفافية في ضوء خروجه من السلطة، وبالتالي لن يكون عزيز قادرا على فرض وتنصيب خلفه، وتصبح فرص التناوب في متناول الطيف السياسي، لكن هنالك مجهود كبير يجب القيام به وحقل يجب تسويته بالحنكة والمرونة والسياسة لكي يصبح عزيز من الماضي وتزول الشكوك عن عدم صلاحية ديمقراطيتنا خاصة بالنسبة للمستقبل، فهل ستمكن حملات المقاطعة من ذلك؟ وأي بديل ستقدمه للرأي العام يمكنها من كسب رهان التناوب؟.
القلم: هل تعتقد أن عزيز صادق في نيته عدمَ المساس بالمادة 28 وعدم الترشح لمأمورية ثالثة؟
محمد محمود ولد بكار: أعتقد أن عزيز يملك حساباته الخاصة التي جعلته يتراجع عن نيته في تغيير مقتضيات المادة 28 من الدستور، ولكن هناك أيضا ظروف موضوعية تغريه بالبقاء وأخرى تدفعه للمغادرة. فدرجة التأجيج الداخلي والخارجي التي سيخلقها البقاء أو محاولته ستكون مرهقة ومهددة بالتوتر المستمر وغير مضمونة.
وهذا ما يدفعه للمغادرة، ثم كذلك الوضع الاقتصادي خاصة المديونية التي قفزت من مليار ونيف إلى 4،929 مليار دولار أي نسبة 93% من الدخل القومي والتي ستخنق البلد 20 سنة قادمة مع مساوئ التسيير التي أخذت مضاعفاتها تتضح ، حيث أصبحت الميزانية تخدم هدفين: الرواتب وصرف الديون الخارجية دون الديون الداخلية للبنوك ورجال الأعمال التي تزيد على 40 مليار أوقية، عكس ما ذهب إليه عزيز في النعمة.
هذه الوضعية التي يتطلب علاجها تدخل صندوق النقد الدولي، تتطلب القبول بوصفته القاسية لمعالجة الاختلالات التي مازلت الدولة ترفضها والتي هي تخفيض قيمة الأوقية ب 30% ليقفز سعر الأورو الواحد إلى 550 أوقية، وخصخصة باقي الشركات أو فتح رأس مالها بما في ذلك اسنيم. وها هو النظام في الهروب إلى الأمام يضاعف الضرائب على المواد الاستهلاكية، الأرز والمازوت، حيث تجبي 200 أوقية على الكيلوغرام الواحد و165 على اللتر، وهذا خلق ضغطا واسعا على كامل الشعب.
أما ما يغريه بالبقاء فهو هل هناك من بوسعه التغطية على حجم الحفرة التي تزيد على 20 مليار التي يجب تبريرها؟ أين ذهبت 17 مليار التي دخلت إلى ميزانية الدولة من خلال طفرة أسعار المواد الخام بالنسبة للحديد من 18 و21 دولار للطن إلى 172 و180 دولار والذهب من 470 دولار للأونصة إلى 1800 دولار والنحاس من 3700 إلى 5700 دولار؟.. بالإضافة إلى الصفقات الأخرى: السنوسي والصيد والمديونية التي جعلت مداخيل البلد تناهز 2 مليار دولار سنويا: 7 مرات تقريبا الدخل السنوي بالنسبة لعهد معاويه، ولم يجعل ذلك الاقتصاد يتحسن ولم يـُحسِن أبدا من أداء الإدارة ولا من رواتب الموظفين ولا من الظروف المعيشية ولا من الخدمات العمومية، غياب قطاع النقل العمومي تماما، ولا من الأمن الداخلي ولا من القوة الشرائية ولا من صلابة العملة الوطنية، وباستثناء بعض الطرق والاستثمار في الكهرباء التي تقطع بصفة منتظمة عن أحياء نواكشوط، والأمن الخارجي في إطار الإتفاق مع القاعدة، لم نسمع ولا نشاهد في دعاية النظام أي شيء إضافي، فلقد اعترف عزيز نفسه بفشل التعليم، وها هي الصحة والعدالة والإدارة تعلن فشلها على رؤوس الأشهاد .
الأسئلة التي يجب الإجابة عليها بجدية وحزم كثيرة، فكيف تم إنشاء طبقة رأسمالية جديدة أغلبها من الصفر بما فيها عزيز نفسه في ظرف قياسي على حساب المال العام والتنازلات التي كلفت الدولة الكثير ، وتحييد طبقة ظلت تراكم المال في غضون الستين سنة الماضية؟ ولماذا تم بيع عقارات عمومية مملوكة منذ 50 سنة وأكثر لمؤسسات عمومية في المزاد المنظم في الغالب لمصلحة جهة واحدة؟ إذن هذه الأسئلة لن يكون بمقدور أحد الجواب عليها، وأكثر من ذلك تحمّل جريرتها باستثناء عزيز نفسه، وهذا يغريه بالبقاء في الشكل أو المضمون.
وعلى كل حال لابد للتناوب من ثمن: فهل سيدفعه البلد أي الإستقرار أو الديمقراطية؟ أم هل سيدفعه عزيز؟ أم ستدفعه المعارضة؟ أو سيتم تقاسمه؟ وعلى كل حال لابد من ثمن، والوطنيون وحدهم هم الذين سيضحون من أجل البلد.
القلم: حسب رأيك، ماذا يمكن للمعارضة أن تفعل للتصدي لمخططات النظام؟
محمد محمود ولد بكار: كان على المعارضة أن تتلقف إعلان عزيز بعدم الرغبة بمأمورية ثالثة بإيجابية، وتجعل من ذلك الإعلان أمرا واقعا مثل ما فعلت السفارات الغربية في نواكشوط التي قفزت على الفرصة وأصدرت بيانات تمجد وتوثق الخطوة من أجل تقييد عزيز بموقفه. ثم كان عليها، أي المعارضة، أن تبذل مجهودا وتقدم تنازلا لمصلحة بناء الثقة، فسياسة الكأس الملآى خطأ كبير وعدم المرونة خطأ أكبر، وعزيز لن يمشي بقدميه ليسلم نفسه لأعدائه الأبديين، فعلى المعارضة أن تتيقن من ذلك ومن أنها لن تحصل على التناوب بمجرد أنها لا تريد عزيز، فلابد من مجهود سياسي وعقلاني، ولابد من التعامل أيضا مع مخاوف الفاعلين الكبار في البلد مثل الجيش ورجال الأعمال وولد عبد العزيز نفسه، فالتغيير الراديكالي ليس من مصلحة البلد، فلابد من إخضاع البلد نفسه لاستراحة حتي يكون جاهزا للتحول، وذلك بإعادة ترتيب الأمور وبناء الأسس وطرح كل شيء في مكانه، فتسيير عزيز جعل كل الأمور تختلط في فوضى بعثرت كل شيء وجعل النقاط المرجعية تختفي في السياسية كما في الاقتصاد، إذن نحن لسنا بصدد إعادة بناء، بقدر ما هي منح فرصة للإستقرار ، لابد من إسكات غضب ومخاوف الجميع، صحيح أن المعارضة تواجه الحرمان والاتهامات الجزافية بمعاداة الوطن، لكن ذلك لا يمنعها من أن تمد اليد، فلابد من تفكيك القيود أو تحطيم جدار برلين بين النظام والمعارضة، فعلى المعارضة أن تعطي الثقة بالأمان للآخرين وأن لا تحرم نفسها من جماهير عريضة جاهزة لمغادرة الطرف الآخر لأسباب عديدة وهي بحاجة لها بل لا غنى لها عنها لتخلق الفرق، لكن لابد لها من شرطين: الثقة بقدرة المعارضة على الفوز، والتوجه نحو تغيير نمط التفكير .
إذن على المعارضة أن تغير من مقاربتها وتوجهها الصدامي والوقوف على الهامش إلى معارضة فاعلة تمد اليد للمعارضة في الداخل لكي تضع معها شروطا أفضل للشفافية ولفرص التناوب .
القلم: لقد انسحبتم من حزب التحالف قبل فترة قصيرة احتجاجا على سياسة مسعود المرتمية، في الغالب، في أحضان عزيز.. هل عضدتك الأحداث اللاحقة؟
محمد محمود ولد بكار: بالنسبة لإستقالتي من التحالف فليست على تلك الدرجة من التعقيد، فأنا في الأساس كنت أحد مستشاري مسعود وكنت على صلة وثيقة به وقد اختلفنا في المقاربة المتعلقة بالحوار، فأنا كنت متمسكا بأن دور مسعود كمسهل لا غنى عنه في الوضع الراهن وأن دخوله في الحوار دون باقي المعارضة يفقده تلك الميزة المهمة ويجعله يكرر نفس الخطوة 2011 التي حققت نتائج لكنها لم تقض على الأزمة ولم تغير من وضعية الإحتقان السياسي . وكان مسعود يرى غير ذلك وهكذا تركت الحزب.
القلم: إذا لم يترشح عزيز لانتخابات 2019، كيف ترون الوضع؟ ومن يمكنه، حسب اعتقادك، أن يحمل راية المعارضة؟
محمد محمود ولد بكار: أنا أعتقد أن المرحلة القادمة من أصعب المراحل بالنسبة للبلد نتيجة لغياب التوافق حول مخرج من الأزمة بين الكتل الكبيرة القادرة على الحشد أي دوام الإحتقان، والظروف الإقتصادية تعصر البلد الذي أعلن عن سياسة التقشف، وأن الدولة تسعى بخطى كبيرة نحو الأزمة المطبقة، وأن المطالب الإجتماعية أخذت تلعب دورا كبيرا في التمايز، وأن الخلاف صار جوهريا وسط النخب، وأن الإدارة والقضاء والمال شهدوا تراجعا كبيرا بالنسبة لدورهم الوطني، وأن الدولة شهدت عمليات فساد ستدفع ضريبتها كل المرافق والمؤسسات والجيش والبنوك ومناخ الأعمال والمداخيل القادمة، إذن نحن بحاجة لشخص وليس لكتلة ولا طرف بعينه، شخص يملك رؤية ويكون قد راكم تجربة كبيرة في مجال التسيير والقيادة وتكون له ثقة كبيرة بالاختصاص والمعرفة وبالإدارة وبالصلاحيات ، وبالديمقراطية ولا يوحي بالعداء لأي طرف.
أي شخص حافظ على درجة من الاتزان اتجاه الكل.
وأعتقد أنه ليس من الضروري أن يكون فاعلا في صفوف المعارضة لكي تصوت له المعارضة فذلك ليس هو التجسيد الوحيد للتناوب، بل الشخص الذي يعمل لجعل الكل يعمل، الشخص القادر على تصور الحلول وعلى تضييق الفجوة بين الفاعلين وردم الحفرة الواسعة التي خلفها التسيير الماضي ويخلق المناخ الذي تكون فيه هيئات ومؤسسات الدولة تعمل بفاعلية ووفق القانون، وأعتقد من دون شك أن سيدي محمد ولد بوبكر جدير بتلك المسؤولية الصعبة..