منذ مدة ليست قصيرة تجتاح بلادنا موجة من الإبحار الذاتي في خطاب كراهية متبادل بين مختلف جهات وشرائح وفئات مكونات مجتمعنا الوطنية، وقد يكون في طريقه إلى جعل بعضها يطوق بعضا بالكراهية من كل الجهات بعد أن يملك اتجاهه مقدارا من الحقد يكفي لتدمير ممالك.
أهم الآليات المستخدمة في هذه الموجة هي منابر الإعلام السمعي البصري بعد ( تحريرها) وما تعززت به من رديف يتقدم عليها أحيانا، تمثله وسائل التواصل وشبكاتها الرقمية الحديثة المتعددة الوسائط، المتجددة الابتكار وذات القابلية السهلة أن تستغلها مجموعات معزولة في الحضور وهامشية في التأثير الواقعي وتقذف سمومها عبر هذه الوسائط التي أصبحت عملة متداولة، لإشعال فتن، توحي كل القرائن أنها تحظى بدعم وتشجيع جهات خارجية يؤلف بينها كونها عجنت على كراهية جميع مكونات الشعب الموريتاني وجهاته وشرائحه ، ومستعدة لإعطاء جوائزها الوهمية من وراء البحار لكل من أعطاها حجة تكون بها حكما ثم قاضيا في شأننا الداخلي، وإيقاف وتعطيل كل ديناميكية ذاتية باستطاعتها خلق شعور عام بالهوية الوطنية الشاملة القادرة على استيعاب الجميع في نسيجها المشترك وفرض العدالة والمساواة داخله.
أخطر ما في الغباش الذي وضعته موجة الكراهية هذه في عيون الواقعين تحت تأثيرها أنها تدفعهم إلى التفكير بطريقة تتجاوز بديهيات تقول أن تراكم أخطاء الأنظمة المتتالية وسياساتها المدعومة، أو المسكوت عنها خارجيا هي من رمى بالجميع في هذه الظروف، ومن أجل ذلك فسياساتها هي خصم الجميع ولا يجوز أن ينشغل بعضه ببعضه الآخر عن تحميلها المسؤولية .
فمن وقف منذ استقلال موريتانيا في وجه إرساء دولة ومؤسسات ذات ثقافة سياسية ديمقراطية قائمة على المرونة وقبول التعدد والاختلاف وقابلة للتعميم عبر التنشئة السياسية والمدنية و بناء ودعم الاستقرار وقيم وثقافة العيش المشترك، وتطبيق العدالة الاجتماعية وتقاسم الثروة وإزالة وجبر الضرر ووقف الظلم، ووضع قواعد التمييز الإيجابي لفائدة المتضررين في السابق وفي الوقت الحاضر؟ من وقف ويقف في وجه وضع قواعد للحكم وممارسة للسلطة تنبثق منها العدالة وتضمن تطبيق القوانين على جميع الناس بلا استثناء أو تمييز؟ كل هذا كان وما زال مسؤولية السلطة التي تمسك الدولة وأجهزتها، وبوسائلها تصفي الحساب مع الجميع، ومن خلال أجهزتها العلنية والعميقة تمارس التمييز لصالح المقربين والمخلصين في مختلف الدوائر و الخدمات : المدارس.. المستشفيات .. الشغل .. الترقيات...
صحيح أن التشكلة القائمة تاريخيا في مجتمعنا الإقطاعي العبودي تركت أضافرها القوية في تفاوته الطبقي والاقتصادي اليوم ، لكن لا يخفى أن معالجة ذلك واجب من واجبات السلط المتعاقبة الذي أهملته كما أهملت باقي مسؤولياتها، وهو ما يجعل البحث عن سلطة وطنية مسؤولة تقيم حكامة سليمة لا تبدد ثروات البلاد الكثيرة ولا تقوم بنهبها، مهمة جسيمة من أولويات مهام العمل الوطني اليوم لبناء دولة قادرة أن تعطي للجميع حقوقه وتطلب منه واجباته وتحسن أوضاع الناس بدل سلبهم بالضرائب وارتفاع الأسعار، سلطة تملك برنامجا ومشروعا غير ديماغوجي للقضاء على لاستنزاف المؤدي إلى الإفقار والفقر : الحاضن الأول لمناخات العنف وخطابات الكراهية.