في نسخة لقاء الشعب التي تم تنظيمها في قصر المؤتمرات في السادس من أغسطس
من العام 2011 سخر الرئيس محمد ولد عبد العزيز من مداخلة مواطن من مدينة النعمة، وكثيرا ما يسخر الرئيس من مداخلات المواطنين إذا ما أتيحت لهم الفرصة للتدخل أمامه، والشواهد على ذلك كثيرة. المهم أن الرئيس في رده تعهد لذلك المواطن وللشعب الموريتاني بالأمطار، وقد قال:" الأمطار تأخرت لكنها ستأتي إن شاء الله،
فكل المؤشرات والمعطيات الموجودة عندنا تقول بأن الأمطار ستأتي بعد تأخرها، وقد بدأت تأتي".
لم تأت الأمطار التي تعهد بها الرئيس في لقاء الشعب، وعرفت البلاد في ذلك العام جفافا تسبب في أضرار وخسائر فادحة في الثروة الحيوانية، ولم تكن ردود فعل السلطة مناسبة، بل على العكس من ذلك فقد قال الرئيس في مدينة نواذيبو بأن الجفاف لا وجود له إلا في رؤوس معارضيه!!
بعد ذلك بخمس سنوات، وفي يوم 27 ـ 07 ـ 2017 ومن مدينة النعمة، وفي إطار دعايته للتعديلات الدستورية قال الرئيس بأن التصويت ب"نعم" على الاستفتاء
سيدر الضرع، وسيزيد من عدد البقر الأحمر.
ومرة أخرى تشهد البلاد نقصا كبيرا في الأمطار، وذلك على الرغم من تعهدات
الرئيس، وعلى الرغم من وعوده ببركة ستحل بالبلاد، وبالبقر الأحمر، إذا ما
تم التصويت ب"نعم" على علم الخطين الأحمرين، وهو الشيء الذي استجاب له
الأموات في ظل مقاطعة الأحياء.
لم تنزل بركة الخطوط الحمراء على البلاد، ونقص مستوى الأمطار في هذا
العام، ويبدو أن ردود فعل السلطة على جفاف 2017 لن تختلف عن ردودها على
جفاف 2011، وهو ما يعني بأنها ستتجاهل أحوال المواطنين في هذا العام
العصيب، كما تجاهلت أحوالهم في العام 2011، وربما يطل علينا الرئيس قريبا
ليقول لنا بأن جفاف 2017 لا وجود له إلا في رؤوس المعارضين، تماما مثلما
قال ذات جفاف، ومن مدينة نواذيبو، بأن جفاف 2011 لا وجود له إلا في رؤوس
المعارضين.
كل المؤشرات المتوفرة حاليا تقول بأن السلطة غير معنية بهذا الجفاف الذي
يهدد الناس في عامهم هذا، ويبدو أنها ـ أي السلطة ـ ستنشغل في الفترة
القادمة عن الجفاف أو ستتشاغل عنه بتوفير أكبر عدد ممكن من علم الشريطين
الأحمرين، وهو ما سيزيد المواطنين تشاؤما من هذا العلم.
لم تكتف السلطة بتجاهل جفاف 2017، وإنما بدأت تفكر في زيادة أسعار
الخدمات الصحية على المرضى، وكأنها قد أرادت بذلك أن تزيد من معاناة
المواطنين في هذا العام العصيب.
تحاول السلطة أن تنشغل عن الجفاف أو تتشاغل عنه بأضغاث أحلام رؤية
أطلقت عليها "إستراتيجية النمو المتسارع والرفاه المشترك"، والتي يقال
بأنها ستغطي الفترة ما بين (2016 إلى 2030).
إن هذه الإستراتيجية التي كتب عنها وزير الاقتصاد والمالية ذكرتني بأربعة
أمور بعضها لا يخلو من طرافة.
(1)
في المرحلة الابتدائية كان يوجد من بيننا تلميذ فشل في تجاوز سنة أولى
ابتدائية رغم تكرار المحاولة، وكان صديقنا هذا كلما تم توزيع النتائج
وأبلغ برسوبه يذهب إلى منزله أهله، ويقف عند باب الزريبة رافضا الدخول
فتعلم والدته بأن لتلك الوقفة عند باب الزريبة علاقة بالدراسة، فتسأله عن
أحوال المدرسة، فيقول لها لا تقلقي يا والدتي فسيأتي ذلك اليوم الذي
سأعلق فيه رتبة ضابط من الجيش، ولا تسألونني عن العلاقة التي تربط بين
الرسوب في سنة أولى ابتدائي والحلم برتبة ضابط في الجيش، المهم أن صديقي
هذا الذي كان يحلم برتبة ضابط كلما فشل في تجاوز سنة أولى ابتدائي لا
يختلف كثيرا عن نظامنا الحاكم الذي لما علم بفشله وبسوء أدائه في السنوات
الماضية وفي العام 2017 قرر أن يواجه ذلك الفشل بأن يعد الشعب بنمو
متسارع وبرفاه في العام 2030.
(2)
ذكرتني هذه الإستراتيجية بمثل شعبي دارج يقول بأن من غلبته الدنيا يقول
بقدوم الآخرة. إن هذا النظام الذي غلبه العام 2017 قد قرر أن ينشغل أو
يتشاغل بالعام 2030.
(3)
إن الوعد بنمو متسارع وبرفاه في العام 2030 قد ذكرني بوعود سابقة في عهود
سابقة كانت تقول بالقضاء على الفقر، وبالصحة للجميع في العام 2000. بعد
مرور عقدين من الزمن على تلك الوعود ما زلنا في هذه الأرض على مسافة
بعيدة جدا من تحقيق حلم القضاء على الفقر، و حلم الصحة للجميع في العام
2000.
(4)
إن الحديث عن العام 2030 ذكرني كذلك بدعوات سابقة أطلقها بعض الوزراء في
الفترة الماضية للترويج للمأمورية الثالثة. إن حديث وزير الاقتصاد
والمالية عن العام 2030 قد يكون مجرد أسلوب جديد ومبتكر للدعوة إلى
استمرار النظام القائم من بعد اكتمال مأموريته الثانية في منتصف العام
2019.
يقول الوزير في مقاله عن الرؤية التنموية لموريتانيا في أفق العام 2030
:" إنها ترجمة لطموح صاحب الفخامة، رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد عبد
العزيز، لموريتانيا ومحاولة للاستجابة للتحديات التي تواجهها الدولة كما
يبينها التشخيص المفصل للوضع الاقتصادي والاجتماعي للدولة".
وتبقى كلمة إلى الرئيس وإلى وزير ماليته وإلى بقية الوزراء:
إننا لا نريد منكم أن تواجهوا جفاف 2017، فذلك مطلب لا أمل لنا بتحقيقه،
إننا نطلب منكم فقط أن لا تزيدوا علينا الضرائب، وأن لا تزيدوا علينا
فاتورة الدواء في هذا العام العصيب. وإننا لا نريد منكم رفاه ولا نموا
متسارعا في العام 2030، فيكفينا من الرفاه ومن النمو المتسارع أن
تودعوننا في منتصف العام 2019 ، وأن تتيحوا لنا من بعد ذلك أن نختار وبكل
شفافية من سيقود بلادنا من بعد منتصف العام 2019.
حفظ الله موريتانيا..