الدكتور ازيدبيه ولد محمد محمود
علاقتي بالدكتور ازيدبيه ولد محمد محمود ليست علاقة عادية فهي عشرة عمر تقاسمنا أفراحه وأتراحه بمودة واحترام... كان خلاله ومازال الصديق والزميل والأستاذ وقائد الرأي والوجيه الاجتماعي والخطيب المفوه المسلاق الذي وهبه الله نواصي الكلم وأغدق عليه بدرر المعاني يمخر عبابها ويتفنن في توضيبها وتشذيبها وترصيع جواهرها بسلاسة ووضوح رؤية.
لست بحاجة إلى الحديث عن صدق ووفاء وكرم وأريحية ولباقة ودماثة خلق الدكتور ازيد بيه فهي أمور يعرفها القاصي والداني وكانت ومازالت وستظل محل إجماع... ولست بحاجة إلى الحديث عن أصالة منبعه وغزارة علمه فهو سليل دوحة العلم الجكنية التي أنجبت جهابذة العلماء وكبار المجاهدين والصالحين والأولياء، ومساره العلمي مرصع بأرفع التقديرات العلمية التي حازها دائما بمرتبة امتياز وشرف.
أذكر أنه عندما دخل الحكومة منذ سنة ونيف تحدثت وتحدث غيري حينها عن قيمة مضافة تعززت بها الحكومة وتحدثنا عن أنه أصبح للحكومة خطاب ولسان وبيان وأن لغة الضاد عادت بعنفوانها إلى أروقة الحكومة... وحين يغادرها اليوم تفقد الحكومة شيئا من ألقها وتفقد رقما ثقافيا خطابيا سياسيا وفكريا من العيار الثقيل... فالحكومة أية حكومة تتعزز وتتجذر مرجعياتها بوجود أهل العلم والفصاحة من أمثاله وتتأثر بغيابه لأنه غياب لمقاربات فكرية جريئة وجاذبة.
وأذكر أنني حينما زرته بمكتبه بعيد استلامه لمهامه بوزارة العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني بادرني بأنه يدعم بصورة مطلقة مشروع التحديث الذي يقوده الرئيس محمد ولد عبد العزيز وأنه سيخدمه بتجرد وتضحية من كل المواقع وبكل قواه إيمانا منه بأنه يمثل طريق الإبحار الآمن نحو بر الأمان لكل الموريتانيين المتطلعين إلى بناء مجتمع العلم والمعرفة والنماء والعدل والحرية والتقدم والازدهار، ومازحني بأن التخلف عن مشروع بهذه المواصفات وبهذه الأهمية لا يليق بالمثقفين ولا حتى بالمواطنين العاديين.
ومن هذا المنطلق فالرجل لم ولن يترجل، ويتوقع له أن يحط الرحال قريبا في موقع أكثر حيوية ويواصل عطاءه، فما تزال في جعبته أشياء كثيرة وسيظل مكونا ديناميكيا من مكونات المنظومة السياسية الداعمة للرئيس ولمسيرة التغيير البناء.
طبعا كنت وسأظل مدمنا على زيارة الدكتور ازيدبيه في بيته العامر وكان وسيظل يكرم وفادتي ويحيطني بعناية خاصة.. أذكر أنه يقدم لي كل مرة أقداح لبن الإبل بسخاء وعلى وقع احتسائي لها يتصفح لسان العرب ويشنف مسامعي بشوارد مفردات لغة الضاد فأخبها وأعبها مفعمة بتعليقاته الأدبية التي لا تمل.
مصدر سعادتي أن أي شيء لن يتغير فعلم ازيدبيه في صدره يرافقه حيثما حل وكتبه مصانة بمكتبه الزاخرة بنفائس المعارف وبحر كرمه وجوده وعطائه لا تكدره الدلاء ولا تؤثر فيه مفارقات الزمن الموار... لكنني حزين على حكومة تضيع ولو لساعات مواهب وقامات من مستوى الدكتور ازيدبيه، فهو حكومة وحوكمة ثقافية فكرية علمية سياسية قائمة بذاتها وهو من أساطين الفعل الثقافي الذي ينفع الناس ويمكث في الأرض.
أحمد مصطفى