
البشام الإخباري/ تشهد منطقتنا موجة من الإخفاقات السياسية، تتراوح بين الانهيار والتآكل البطيء، والسبب في كثير من الأحيان ليس غياب الديمقراطية كشعار، بل غيابها كمنظومة حقيقية. ديمقراطيات الواجهة، التي تُستنسخ فيها النصوص وتُدار فيها المؤسسات بعقلية التوازنات السطحية بدلًا من عقلية البناء، أثبتت عجزها عن الصمود أمام الأزمات، أو التقدم في مسارات التنمية.
في هذا السياق، تبرز موريتانيا كحالة استثنائية ما تزال تملك فرصة نادرة لصياغة نموذج وطني متفرد، لا يُقلّد التجارب الهشة، بل يُؤسس لدولة مؤسسات حقيقية تتجاوز الديمقراطية الشكلية نحو ديمقراطية جوهرها الفعل والنتائج.
لا يمكن بناء مستقبل الدولة على نصوص جامدة أو قواعد دستورية استهلكها الزمن. نحن بحاجة إلى نصوص حيّة، قادرة على التكيّف مع التحولات، تؤطر السلطة وتحمي التوازن، وتفتح المجال لديناميات الإصلاح والتنمية، لا أن تُكبّلها بقيود بيروقراطية أو حسابات ظرفية.
لقد أعاد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني الاعتبار لعقل الدولة، وفتح الباب لنهج جديد يقوم على الهدوء والحكمة، لكن هذا التحول، مهما بلغ من نضج، يظل هشًا إذا لم يُترجم إلى تأسيس دستوري واضح يضمن استدامته، بعيدًا عن المزاج السياسي أو النوايا الطيبة وحدها.
وعليه، فإن الدعوة إلى مراجعة الدستور – في إطار حوار وطني شامل وبتوافق سياسي واسع – لم تعد ترفًا فكريًا، بل غدت ضرورة استراتيجية لتحصين المسار، وتجاوز ديمقراطية الواجهة، وبناء مؤسسات فعلية قادرة على ممارسة السلطة وتحقيق التنمية في آنٍ معًا.
إن موريتانيا ليست بحاجة إلى تعددية حزبية تُغذّي الانقسام، ولا إلى نصوص “تجميلية” تُقدّم للعالم على أنها إنجاز، بل إلى منظومة دستورية متجددة تُجسّد الإرادة الوطنية وتُواكب التحول التاريخي الذي تعيشه البلاد.
اللهم اجعل بلادنا من خير البلاد واجعلها آمنة مطمئنة إلى يوم التناد.
من صفحة الكاتب والنائب البرلماني في الجمعية الوطنية عن حزب الإنصاف احمد جدو ولد الزين