شرعت بلادنا مؤخرا في تطبيق حزمة قرارات تنظيمية لقطاع الصيد، نجم عنها حزم الصيادين السنغاليين لأمتعتهم استعدادا للرحيل، في حين بدأ البلدان في عملية لإحصائهم وتنسيق جهود مغادرتهم لديارنا بشكل سلس ومتناغم!
فرص مهدورة
تملك موريتانيا واحدا من أكثر شواطئ العالم غني بالمورد البحرية، ويعود ذلك للتيارات الصاعدة، upwellings والتي تحمل المغذيات إلي المستويات التي تتسرب إليها أشعة الشمس (عمق لا يتجاوز 200 مترا)،مما يسمح بازدهار العوالق النباتية المجهرية ،والتي تشكل قاعدة هرم السلسلة الغذائية ،بالإضافة إلي وجود مسطحات مائية قليلة العمق، تسمح بانتشار الأعشاب المائية مثل Zostera nolii و Cymodocea nodosa ،والتي تعد موئلا لازدهار التنوع الإحيائي في البيئة البحرية.
يبلغ طول شاطئا 720 كم ،والمساوي بالضبط لطول شاطئ السنغال، كما تبلغ مساحة منطقتنا الاقتصادية الخاصة ZEE 234000 كم مربعا، بينما تصل عند السنغال 180895 كم مربعا ،أما جرفنا القاري فهو بمساحة 39000 كم مربعا، بينما يبلغ عند السنغال23800 كم مربعا، ويوفر القطاع في بلادنا 55000 فرصة عمل نصفها ثابت ،بينما يوفر في الجارة السنغال 600000 فرصة عمل ثلثها ثابت ومن ضمنها 63000 بحارا، كما يصل استهلاك الفرد عندنا حسب آخر الإحصائيات 4,2 كغ للفرد سنويا ،بينما يبلغ استهلاك السنغالي 35,4 كغ سنويا، تبلغ طاقة استغلال مواردنا البحرية من منتجات الصيد مليون وخمسمائة الف طنا سنويا بينما تبلغ ثلث ذلك عند السنغال، نلاحظ أن القطاع في السنغال يلعب أدوارا اقتصادية كبيرة بالرغم أنه يملك ثلث مواردنا البحرية فقط.!
تكفي هذه المقارنة للحكم علي ضعف اداء القطاع بشكل عام وفشله لكن الازمة الحالية جاءت لتكشف مدي هشاشة قطاع الصيد التقليدي بشكل خاص، فهو يعتمد بشكل كامل علي صيادي السنغال مما يعني ان حتى 55000 فرصة عمل التي يقدمها القطاع منذ عقد من الزمن تضم ايضا عددا كبيرا من السنغاليين! وبرحيلهم انهار بشكل كامل وهذه مصيبة كبيرة فمنذ عقدين من الزمن ومنظومة التكوين تنشط والتجمعات المهنية تتبجح بآلاف المنتسبين ولعبة الارقام تتحدث عن آلاف فرص العمل، مع أنى كنت قد نبهت في مقال سابق الي ضعف اندماج شبابنا في القطاع وذكرت الجميع بان من يزور شاطئ الصيادين التقليدين ويسمع اللهجة المتداولة هنالك سيتأكد من ان القطاع ليس بخير.
مفاجأة الرحيل!
لا بد ان صناع القرار اصيبوا بصدمة كبيرة، فبعد ان كان الاعتقاد السائد بأن صيادي السنغال ورقة ضغط فعالة، يكفي التلويح بها لإخافة السنغال تفاجأ الجميع بان الاخيرة مستعدة تماما لرحيلهم وجاهزة للعبة عض الاصابع، في حين شٌلّ قطاعنا تماما، واختفت الاسماك من موائدنا، وبتنا نتهم البحر بالهيجان، فاين إذا هم الصيادون الموريتانيون؟ سؤال تُسأل عنه وزارة الصيد والتجمعات المهنية، لكن الجواب واضح، إنها لعبة الارقام لعبة ادمنت عليها معظم القطاعات، الامر الذي يُربك صناع القرار ويجعل رؤيتهم ضبابية، فالقرارات تُبني على معطيات مغلوطة للأسف الشديد لتأتي النتائج بعكس ما اريد لها، انها قصة تتكرر كل يوم.
كان الاعتقاد السائد باننا تعلمنا من درس احداث 89، وأننا اعتمدنا سياسة لمرتنة الوظائف منذ زمن بعيد، وأن السنغال تحتاجنا بل تعتمد علينا، وأن الصيادين الموريتانيين على أتم الاستعداد لملأ الفراغ عند الحاجة، لكن الوقائع تُشير اليوم الي عكس كل ذلك وما أشبه الأمس باليوم.
مساهمة في رفع التحدي
من غير المقبول أن يظل قطاع الصيد التقليدي تحت رحمة الاجانب، لذلك لا بد من إتباع سياسة ناجعة لدمج شبابنا في هذا القطاع الحيوي ويكون ذلك ب:
• تركيز التكوين اساسا على شباب تجمعات امراكن وشباب المجموعات العرقية المشهورة بامتهان الصيد لسهولة اندماجهم في القطاع، ففشل سياسات المرتنة السابقة يعود الي إغفال البعد الثقافي والاجتماعي والدليل على ذلك ان الصيادين السنغاليين من مجموعة عرقية واحدة؛
• تنمية الصيد القاري واستزراع الاسماك مما سيساعد علي كسر حاجز العزلة وتقريب الشباب من مهن الصيد؛
• توفير نظام قرض فعال؛
• توفير حوافز مغرية؛
• اعادة تنظيم التجمعات المهنية بما يضمن حسن التمثيل وتدعيم قدراتها التنظيمية؛
• اجبار الفاعلين في القطاع على بلورة سياسة تكوين فاعلة؛
• اجراء مسوح جادة لتحيين المعطيات واخذ صورة حقيقية عن القطاع.
وفي انتظار اتخاذ تدابير ناجعة وشجاعة سيبقي قطاع الصيد التقليدي الشاطئي تحت رحمة السنغاليين او البيساويين، ويبقي الصيد القاري تحت رحمة الماليين، بينما يكتفي الشباب الموريتاني بمواقعه على اللوائح الوهمية لمصاصي دم القطاع.