في بعض الأحيان أن لا تعرف الشيء خير لك من أن تعرف كل شيء وأن لا تتدخل خير لك من أن تتدخل في كل شيء. ومن المؤلم حقا أن يتفرج المرء على سيل من المعلومات والمقالات والتقارير الصادرة عن جهات يوثق بها وشخصيات معتبرة ويكون المتلقي على بينة من الحقيقة كما هي ودون تصرف.
والأدهى والأمر من ذلك هو التعاطي مع خبر مفبرك عندما يكون المرء متمسك بالمعلومة الصحيحة والدقيقة، والمقزز هنا كون المتلقي يصبح كمشاهد لفلم كتب قصته وأخرجه وبعد ذلك يحاول أحد أبطال الفلم أن يقنعه أن الفلم ليس من نسيج الخيال وإنما هو حقيقة عاشها كبطل .
لقد دونت ما يربو على 2725 مقولة تحدثت في مجملها عن رصاصة اطويله، كتابها صحفيون وسياسيون ومحللون ومواطنون عاديون. ومن بين العناوين التي شدت انتباهي هذا العنوان: "رصاصة حيرت خبراء الأمن أكثر مما حيرت الأطباء" لكاتبه أحمد المهدي بتاريخ 01/11/2012 ، موقع أقلام حرة.
ويقول كاتب المقال "بوصفي عسكري يمتلك حسا أمنيا وبالإضافة إلى كوني خدمت في القصر الرئاسي وعرفت طبيعة الحياة فيه فإني أتصور أن استهداف الرئيس الموريتاني يوم السبت 13/10/2012 لم يكن عن طريق الخطإ وإنما كان عمدا مع سبق الإصرار والترصد ولم يكن خارج القصر داخل السيارة كما تزعم الرواية الرسمية وإنما كان داخل القصر وخارج السيارة وتحديدا في بعض الطرق غير المعبدة التي قد يمر بها الرئيس." ويحمل الكاتب مسؤولية الجرم إلى الحرس الرئاسي، كما ذهب آخرون إلى القول بأن الحادثة وقعت بالقرب من المستشفى العسكري وبطلتها إمرأة مع تباين الآراء في طبيعة سلاح الجريمة ومكان وقوعها. ومن بين هؤلاء من يميل إلى فرضيات كثيرة أخرى تجمع في النهاية على أن الحادثة وقعت في العاصمة وسببها علاقة غير أخلاقية. ومن بين الكتاب من ذهب إلى القول بأن الحادثة دبرت في الخارج مع تواطئ بعض عناصر الجيش.
وبعد مضي 735 يوما على الحادثة ما زال الحديث عنها جار وفي بعض الأحيان يتصدر عناوين المقالات والمقابلات السياسية وكأن عبارة الرصاص الحي مستنبطة من الخلود، ذلك أن رصاصة اطويله كانت في الأصل قبل إطلاقها رصاصة حية وما زالت في أذهان البعض كذلك بعد 735 يوما.
لقد تابعت مقابلة السيد الرئيس اعل ولد محمد فال وهو رئيس دولة سابق ومدير أمنها طيلة 20 سنة وهو حائز بقوة الشيء المقضي به على لقب " الخبير الأمني والعسكري" ولا يحق لأي كان أن يقلل من أهمية الرجل ولا من وزنه السياسي والعسكري والاجتماعي مما يحتم الأخذ بتصريحاته على محمل الجد بغض النظر عن التجاذبات السياسية وما تمليه المرحلة.
قال السيد الرئيس في مقابلة على أثير إذاعة انواكشوط الحرة بثت ليلة الإثنين الموافق 01 سبتمبر 2014 إن عدم وجوده بين المواسين للرئيس محمد ولد عبد العزيز بعد رصاصة 13 أكتوبر رغم الروابط الإجتماعية كان بسبب خشيته من التأويل الخاطئ، مشيرا إلى أنه كان في مقدمة المعزين للعائلة بعد وفاة شقيق الرئيس الأصغر. وأضاف أن رصاصة اطويله كانت سياسية بامتياز حيث أنها لم تتضح ملابساتها لحد الساعة متسائلا في نفس الوقت عن طبيعتها الجنائية إن لم تكن ذات طابع سياسي.
لقد صدق السيد الرئيس اعل ولد محمد فال في جزء من تحليله وجزء من تساؤله لأنه بنى التحليل على المنطق وبنى التساؤل على الواقع لكنه لم يصب لغياب المعلومة الدقيقة عنه، مثله مثل كل من كتب من محللين وخبراء وصحافيين وغيرهم، ذلك أن سبب الحادثة كان وبكل بساطة أرانب مشؤومة خلافا لما ذهب إليه الجميع.
وبما أن هذه الحادثة العظيمة أصبحت من الماضي ولم تعد تداعياتها ترتب أي أثر، قررت إزالة اللبس عنها لأضع المواطن في الصورة وأعطي جواب اللغز المحير للنخبة فمن شاء فليقتنع ومن شاء فليشكك.
في يوم الخميس الموافق 11/10/2012 خرج رئيس الجمهورية في عطلة الأسبوع وكان برفقته حرسه الشخصي وصديقه وابن عمه أحمد ولد عبد العزيز وابنه الأصغر. وبعد وصولهم إلى المنتجع إلتحق بهم ببكر ولد غدور وامربيه ولد الولي وأمضوا معا يوم الجمعة وأول يوم السبت وفي حدود الواحدة زوالا جاءتهم طائرة صغيرة ملاحها فرنسي وأقلت السيد الرئيس في جولة قادته إلى ضواحي أبي تلميت ثم انعرجت إلى الشمال وحلقت فوق إجبيتن والمرفك وجنوب بلدية المداح باوجفت ثم عادت إلى المنتجع في حدود الرابعة. وبعد تناول وجبة سريعة قرر الرئيس أن يعود عن طريق البر رفقة صديقه أحمد ولد عبد العزيز وأرسل ابنه في الطائرة. كان من المفترض أن تعود الجماعة معا لكن امربيه وببكر قررا الذهاب عبر طريق آخر. وفي الخامسة و ثلاثة عشر دقيقة بالضبط غادر الرئيس المكان رفقة ابن عمه وخلفهم سيارة الحرس الرئاسي وفي حدود السابعة و خمسة وثلاثون دقيقة مروا بجانب مقبرة فخفف الرئيس من السرعة وكان ينوي صلاة المغرب في المكان لكنه قرر في النهاية المواصلة. وفي تلك الأثناء كان الضابط وأحد رفاقه خارج الثكنة العسكرية لشراء اللبن ولما شاهدا أضواء السيارات على بعد خمس كيلومترات تقريبا أبلغ الكتيبة وطلب منها اعتراض السيارات وبما أن الطريق الذي يسلكه الرئيس كان على بعد سبع كيلومترات من الثكنة قرر الضابط اعتراضهم بنفسه وسلك الطريق المعبد ثم انعرج مع الطريق الرملي وكانت السيارات تقترب بسرعة فائقة فأوقف سيارته الصغيرة من نوع AVENSIS تحمل لوحة صفراء ورقما أجنبيا، أوقفها في وسط الطريق وسرعان ما حل به الموكب، رأى السيد الرئيس السيارة دون تحديد نوعيتها وخفف قليلا من السرعة فأطلق عليهم الضابط الضوء العلوي phare وبنظرة خاطفة رأوا السيارة الصغيرة واللوحة الأجنبية وفي ثوان نزل الضابط بسرعة وحط بندقية من نوع اكلاشينكوف على ظهر سيارته وبجانبه رفيقه الذي يرتدي جلابية داكنة وهو صاحب لحية وفي لمح البصر أدار السيد الرئيس السيارة إلى اليمين وضغط على المسرع، شاء القدر أن بحافة الطريق شجيرات من أفرنان مما خفف من سرعتها فاستدار الضابط في ثوان وأطلق 13 رصاصة أصابت 3 منها الأبواب اليسارية تزامنا مع اعتراض الشجيرات للسيارة وواصل الإطلاق من الخلف فاخترقت إحدى الرصاصات الإنارة الخلفية اليسرى واخترقت القماش والمقاعد الخلفية ومقعد السائق وخرجت من شاكلة الرئيس لتستقر في مقود السيارة من الأسفل، حينها قال السيد الرئيس وبدون صراخ " أح" لقد أصبت ووضع يده على بطنه، كان الدم يتدفق وكانت السيارة تسير بسرعة 140 كلم في الساعة وبعد أقل من دقيقة مال رأسه إلى اليمين وكان في بداية غيبوبة لكنه تماسك دون تخفيف السرعة فحاول رفيقه أن ينتزع رجله عن المسرع لكنه أبى فتمسك معه بالمقود.
وقعت الحادثة على بعد 822 متر بالضبط من الطريق المعبد و 7 كلم من الثكنة العسكرية، كانت المسافة بين سيارة الرئيس وحرسه لا تتجاوز 300 متر ولكثافة الغبار لم يرى الحراس ما جرى لكنهم سمعوا الطلقات وسرعان ما وقعوا في نفس الكمين، لكن لحسن حظ هؤلاء أيضا نفذ رصاص البندقية واستعمل الضابط المسدس فأصيبت سيارتهم بعيارات نارية وأصابت إحدى الرصاصات عجلة الإحتياط ولم يتوقفوا إلى غاية الطريق المعبد حيث أوقف السيد الرئيس السيارة ليتبادل السياقة مع رفيقه، وقال لابن عمه قل للحراس أن يعودوا إلى مكان الحادثة وأبلغهم أحمد ولد عبد العزيز بعجالة لكنهم لم يمتثلوا.
قبل الوصول إلى وحدة الدرك التي لم يتوقفوا لها أخرج السيد الرئيس قنينة ماء من ثلاجة السيارة وشرب قليلا وصب الباقي بين قميصه وجسمه وأخذ قنينة أخرى وفعل نفس الشيء ثم تناول هاتفه الشخصي وأجرى ثلاث مكالمات فقط، كانت أولاها على طبيبه الشخصي حيث قال له أن يلتحق به في المستشفى العسكري دون تفاصيل، ثم كان الإتصال الثاني على محمد ولد الغزواني وقال له أن يتوجه إلى المستشفى العسكري وأخبره بأنه مصاب بطلق ناري، وبعد هذه المكالمة أمر قائد الحرس الرئاسي بالتوجه إلى المستشفى وغلق الممرات.
وبعد دخولهم المدينة تصادفا مع قائد الدرك الجنرال انجاكا جنك في ثلاث سيارات متوجهة إلى المستشفى ولم يتوقفوا، واصلت سيارة الرئيس إلى المستشفى العسكري وعند البوابة رفض الحارس إدخالهم ظنا منه أنها سيارة عادية ولما دخلا واصلا إلى نهاية الطريق الداخلي لأن أيا منهما لا يعرف البناية من الداخل فأوقفا السيارة وترجلا 50 مترا تقريبا. استغرقت الرحلة ما بين وقوع الحادثة والمطار 18 دقيقة. واصلت سيارة الحرس الرئاسي خلف سيارة الرئيس إلى مقربة من فرقة الدرك عند المدخل لتتلقى من جديد الأوامر بالعودة إلى مكان الحادثة فعادوا أدراجهم ولما وصلوا عين المكان وجدوا الضابط ورفيقه في مكانهم لم يتنقلوا وأشهر الضابط السلاح في وجههم حتى استسلموا. وفي تلك الأثناء تم الإتصال بقائد الثكنة العسكرية وبما أن الحادثة وقعت على بعد 7 كلم تقريبا من مقر الثكنة إضافة إلى شح المعلومات والإرتباك الشديد تزامن مجئ القائد مع وصول قائد أركان الجيوش محمد ولد الغزواني والجنرال مسغارو ولد اغويزي رفقة أحمد ولد عبد العزيز الذي رافقهم ليدلهم على موقع الحادثة. فمنذ هذه اللحظة دخلت القضية في عهدة الجيش الوطني ولم تعد قضية جنائية حتى يباشرها وكيل الجمهورية ولم تعد أمنية حتى يتدخل الأمن والمخابرات وحتى أن الأطراف التي تحرك الدعوى للتحقيق لم تكن موجودة لكون الضحية رئيس جمهورية اقتنع بأن الحادث كان عرضيا وقرر عدم متابعة الفاعل وأبلغ الرأي العام بالحقيقة فور وقوع الحادث، لكن للأسف بعد مغادرة السيد رئيس الجمهورية وقعت اختلالات عميقة وارتكبت أخطاء جسيمة كان من أبرزها سوء إخراج تصريح الضابط الذي بثته التلفزة الوطنية والذي كان عبارة عن شاب بجانبه ضابط أعلى منه رتبة يتحدث عن مجريات حادثة قمة في الأهمية وكأنه أجبر على التصريح بما تريده السلطة. ومع غياب رئيس الجمهورية شخصيا واختفاء من يفترض أنهم أصدقاء أو حلفاء من حزبه وأنصاره لم يجد من يدافع عن تصريحه بجدارة. وفتح الباب على مصراعيه لتمتطي قوى المعارضة تلك الحادثة حتى أصبح الجميع شبه مقتنع أنما جرى ليس كما قيل.
قبل خروج رئيس الجمهورية في عطلة الأسبوع كان يشعر بعدم الإرتياح وكان ينتابه شعور بأن أمرا ما يخطط له وكان محقا في ذلك التصور لأنه كان مبنيا على معطيات دقيقة يدركها الرئيس ويعرفها المخططون. فذلك الهاجس الأمني مع تأكد السيد الرئيس بأن الطريق الذي يسلكه هو طريق للمارة ويبعد 7 كلم عن الثكنة إضافة إلى الشبهة التي حصلت في نوعية السيارة ولوحتها الأجنبية ولحية رفيق الضابط وجلابيته وسرعة الإعتراض والتشهير بالسلاح، كل هذه العوامل مجتمعة رسخت في ذهن السيد الرئيس أنها محاولة تصفية جسدية ولهذا السبب قرر في لمح البصر تفادي الخطر.
ثلاثة أيام قبل هذه الحادثة جرى نفس الإعتراض وفي مقربة من نفس المكان لجماعة تعرف نفسها وتم التنكيل بها وسلبت أرانب كانت ثمرة مجهود شاق في البراري. فهل هناك صديق للبيئة مترصد ومستعد لحماية مخلوقاتها بعد موتها؟ إنها تفاهات لا تصدق لكنها كانت سببا كافيا لانهيار نظام بكامله.
وفي المحصلة لم تكن حادثة الرئيس في مدينة انواكشوط ولم تكن بطلتها امرأة ولم تدبر من الخارج وكلما سال حولها من حبر كان مجرد تحاليل وتأويلات، كشفت السلطات عن الحقيقة فورا وكان رئيس الجمهورية صادق في تصريحه لكنها تكتمت على ما يفترض انه السبب نظرا لتفاهته.
لم يتردد رئيس الجمهورية في الإدلاء بتصريح وهو على السرير وعلى لسان وزير إعلامه أبلغ الرأي العام آنذاك بطبيعة ما جرى وظل الجميع مشككا إلى حد الساعة، فلنتجاوز هذا الأمر ونترك مكانا في الذاكرة لأمور أخرى، لكن حذاري من صيد الأرانب لأن لطفها وبراءتها عندما تقتل قد يحمل الشؤم لقوم أو يحمله بواسطتهم لآخرين.
انواكشوط بتاريخ 07/09/2014
عمدة أوجفت السابق
محمد المختار ولد احمين اعمر