أثارت تصريحات الأمين العام لحزب الاستقلال المغربي حميد شباط، حول تبعية موريتانيا للمغرب، جدلاً واسعاً في أوساط الموريتانيين، وقد وصل هذا الجدل إلى ذروته في مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة "الفيس بوك" حيث واجه آلاف الموريتانيين هذه التصريحات بالرفض.
واعتبر عدد من المدونين الموريتانيين أن الطعن في سيادة موريتانيا يخرج على الأعراف الدبلوماسية، خاصة عندما يصدر عن رئيس حزب سياسي عريق في المغرب مثل "حزب الاستقلال".
في غضون ذلك تباينت آراء المدونين الموريتانيين حيال الموضوع، فعلى الرغم من حالة الإجماع على رفض مضمون كلام شباط، إلا أن عدداً من المدونين قلل من أهميتها لأنها تصدر عن حميد شباط، الرجل الذي اشتهر بمواقفه الغريبة، وكونه لا يحمل أي صفة رسمية، فهو خارج الحكومة منذ عدة سنوات، بسبب هزائمه الانتخابية المتكررة.
إلا السيّادة
الباحث والناقد الموريتاني الشيخ ولد سيدي عبد الله كتب أن "الطعن في السيادة مسألة خطيرة ولا ينبغي السكوت عليها"، داعياً كل الأحزاب السياسية في موريتانيا إلى الرد على تصريحات حميد شباط لأن "قضية السيادة قضية وطن وليست قضية أنظمة"، وفق تعبيره.
وأوضح الباحث الموريتاني الذي يملك واحدة من أكثر صفحات الفيس بوك انتشاراً وتأثيراً في موريتانيا، أن الرد "ينبغي أن يراعي كون الحكومة المغربية والملك المغربي لم يصرحوا (علنا) لحد الساعة، أي تصريح يسيء للعلاقة بين البلدين، مما يعني أن الرد سيكون موجها لحزب الاستقلال المهزوم ومن يسايره من الصحفيين والسياسيين وأصحاب الرأي في المغرب".
وخلص ولد سيدي عبد الله إلى القول: "حميد شباط لا يمثل المغرب ولا شعبه، ولو كانوا معجبين بخطابه لما جعلوه يحصد أسوأ نتيجة انتخابية في تاريخه"، وأضاف: "شخصيا ما زلت مؤمنا (أرجو أن أكون محقا) بأن ما يحدث مجرد سحابة صيف، ولكنها سحابة لا تمنع الرد وبالقوة التي يتطلبها المقام".
حسابات سياسية
من جانبه لفت المدون أحمدو ولد محمد الحافظ إلى البعد السياسي المحلي لتصريحات شباط، مشيراً إلى أنه محاولة لتعويض خسائر سياسية متلاحقة، حين يقول إن "العلاقات الموريتانية-المغربية أعمق من أن يؤثر عليها كلام شخص مهزوم سياسيا ومهزوز اجتماعيا، العلاقات التي رسم خريطتها العظيمان الملك الحسن الثاني والرئيس المختار ولد داده رحمهم الله لن يؤثر عليها كلام الأقزام"، على حد وصفه.
ويشير ولد محمد الحافظ إلى أن حميد شباط يحاول من خلال تصريحاته "استرجاع شعبيته المفقودة بالهجوم على موريتانيا التي مدحها قبل أشهر، شباط هو أسوأ أمين عام في تاريخ حزب الاستقلال الذي تراجعت شعبيته منذ أن تولى أمانته العامة"، موضحاً أنه "هُزم في الانتخابات الجامعية وفقد منصب عمدة فاس، كما أن حزبه تراجع في الانتخابات البرلمانية الأخيرة".
وأضاف المدون في سلسلة تدوينات عن الموضوع قائلاً: "غريبة جداً تصريحات حميد شباط، مع أنه من يعرف الرجل وتقلبات مواقفه السياسية يدرك أنه يغرد خارج السرب، فموريتانيا والمغرب دولتان شقيقتان وجارتان، وعلى المتطرفين أن يتركوا قرع الحروب الإعلامية التي تخدم جهات أخرى لا تريد لهذه العلاقات أن تكون متميزة"، وفق تعبيره.
صوت العقل
في السياق نفسه كتب إسحاق العلوي أن "على الموريتانيين أن يكونوا أقوياء ومؤمنين بأن موريتانيا دولة مستقلة وذات سيادة، فلا تزعزعهم بعض الترهات التي تصدر بين الفينة والأخرى من بعض الأشخاص الداخلة في إطار الحراك السياسي الداخلي للبلد الذي ينتمي إليه صاحب الخرجات الأخيرة".
وأوضح العلوي في تدوينة نشرها على صفحته الشخصية أن "حميد شباط، زعيم حزب الاستقلال، سبق له أن اتهم رئيس الحكومة المغربية بالموالاة لـ(داعش) والموساد في آن واحد"، قبل أن يؤكد أن "موريتانيا دولة مستقلة وذات سيادة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها".
وعلق عليه مدون مغربي قائلاً: "كلام شباط ﻻ قيمة له، التاريخ والجغرافيا والواقع يفندان ما يروج له البعض، فليطمئن أشقاءنا في موريتانيا، هذه هرطقات سياسي عانى المغرب من قراراته وتصريحاته المرتجلة، فهذا الشخص يطلق كلاماً كئيبا ﻷهداف انتخابية ضيقة".
ولكن المدون الهادي ولد الطلبة فقد اعتبر أن التصريحات تحمل مؤشرات غير جيدة، وقال في هذا السياق: "المشكل أن شباط يرأس حزبا مهماً، وزاد الطين بلةً بهذه التصريحات التي جاءت في وقت نحتاج فيه لصوت العقل وليس مثل هذه الأصوات"، وأضاف: "لا يجوز أن يكون مثل هذا الشخص رئيسا لحزب سياسي وازن، أما علاقة موريتانيا والمغرب فهي أقوى من أن تتأثر، وهذه ليست إلا سحابة صيف عابرة"، وفق تعبيره.
صراع الوهم
الكاتب الصحفي الهيبة ولد الشيخ سيداتي، كتب تدوينة على صفحته الشخصية وصف فيها ماي جري بأنه "صراع الوهم"، في إشارة إلى أن حرب البيانات والتصعيد الإعلامي لا يعدو كونه انعكاس لحسابات سياسية داخلية.
ويقول ولد الشيخ سيداتي في تدوينته: "حب الوطن الحقيقي والوطنية الحقيقية هي أن نقول لهم جميعا باستقلالهم واتحادهم وتواصلهم: نحن شعوب واحدة، همنا واحد، مشاكلنا واحدة، ليس عندنا وقت لمتابعة بياناتكم التفريقية. من فضلكم لن تكون تفرقتنا وسيلة لكسب الأصوات. ليس لنا كشعوب أي مصلحة في الصراع جنبونا ذلك أو استريحوا".