حصاد عام 2020 عربيا ـ كورونا، موجة تطبيع وتجذر الأزمات | البشام الإخباري

  

   

حصاد عام 2020 عربيا ـ كورونا، موجة تطبيع وتجذر الأزمات

البشام الإخباري/ عندما شارف عام 2020 على البداية لم تكن هناك آمال في انطلاقة لمرحلة مختلفة في المنطقة العربية، وإنما كانت الآمال في أقصاها تتطلع لإبقاء الأوضاع القائمة على حالها. ويبدو أن التطلعات بشأن العام المقبل لن تكون أفضل حالا.

تميز عام 2020 في العالم العربي بحصيلة من التوترات التي اعتادت المنطقة على أن تتصاعد فيها تارة وتهدأ أخرى. إلا أن الشعوب العربية لم تكد تنهي احتفالاتها ببداية العام، حتى استفاقت على قيام الولايات المتحدة باغتيال رجل إيران القوي قاسم سليماني في غارة جوية بالعراق، لينفتح بذلك، ليس حلقة جديدة، وإنما باب واسع النطاق لتصاعد التوترات والتهديدات بين إيران وحلفائها من جهة، وواشنطن وحلفائها من جهة أخرى.

وبعد أيامٍ حبس فيها العالم أنفاسه ترقبا لرد فعل إيران، الذي لم يكن مستبعدا على الإطلاق أن يقود إلى اندلاع حرب إقليمية واسعة، فقصفت طهران قاعدتين عسكريتين تتواجد بهما قوات أمريكية في العراق دون أن ترد أنباء عن سقوط قتلى في صفوف الأمريكيين. لتعود الأوضاع بعد هذا نسبيا إلى حالة "التأهب الاعتيادي" الذي أصبح من مقتضيات الضغوط القصوى التي يمارسها الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب على إيران.

الفيروس القاتل فاقم الأزمات..

في تلك الأثناء، كانت الأنباء القادمة من بعيد عن فيروس غامض بمدينة ووهان شرقي الصين تزداد تواترًا، لتعلن منظمة الصحة العالمية في نهاية كانون الثاني / يناير أنفيروس كورونا الجديد يمثل "حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقا عالميا". ورويدًا رويدًا انتقل هذا الفيروس إلى كل دول العالم، ومن بينها الدول العربية. وسارعت مختلف الدول إلى إغلاق حدودها لمنع دخول إصابات إليها. كما اضطرت الدول إلى إغلاق دور العبادة وتعليق الدراسة ووقف الأنشطة الاقتصادية وحتى حظر التجوال للسيطرة على تفشي الفيروس. ولم تشكل الحرب على الجائحة العالمية ضغوطا هائلة على الحكومات والأعمال فقط، فقد واجه الأفراد ضغوطا لم يسبق أن عاشوها، فلم يعد هناك بيت أو شارع إلا وفيه من أصيب أو فقد عزيزا أو ربما فقد عمله.

وحتى الأطفال لم يسلموا من هذه الضغوط، حيث اضطروا للبقاء لأشهر طويلة بين جدران منازلهم دون أن يذهبوا لمدارسهم أو أن يقوموا بالأنشطة التي كانوا معتادين عليها. وربما لن تنسى الذاكرة صور المسجد الحرام وهو فارغ من المصلين أو صوت المؤذن وهو يقول "صلوا في رحالكم" أو كيف مر شهر رمضان على المسلمين دون الصلاة في المساجد، تماما كما لن تنسى الذاكرة الآلام التي استشعرها المسيحيون مع مرور مناسبات دينية مهمة دون أن يتمكنوا من إحيائها في الكنائس مثل أسبوع الآلام وعيد القيامة ومؤخرا أعياد الميلاد بالنسبة للكنائس المسيحية التي تسير حسب التقويم الغربي.

وخلال أشهر الربيع والصيف لم يكن هناك صوت يعلو فوق صوت جائحة كورونا والتدابير المرتبطة بها. ولكن مع مرور الوقت، اكتسب العالم بعض المهارة في التعامل مع الجائحة، وأصبح فرض التدابير ورفعها انتقائيا تبعا للأوضاع الوبائية أمرا معتادا. كما تحولت بعض الأعمال إلى العمل عن بُعد كليا أو جزئيا، وأصبحت التدابير الاحترازية جزءا لا يتجزأ من طبيعة بعض الأعمال الأخرى.

ومع اقتراب العام من نهايته، أصبح الحديث مُنصبا على اللقاحات، بعد أن ظهرت نتائج واعدة بشأن عدد منها خلال الأشهر الماضية. وبدأت عدة دول عربية بالفعل حملات لتلقيح الراغبين باللقاحات المضادة لكورونا. وبدأت الحملات باستخدام لقاح شركتي فايزر وبيونتيك، الذي سبق غيره في الحصول على الموافقات ذات الصلة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والعديد من الدول.

نوع جديد من التطبيع مع الدولة العبرية

وعلى صعيد مختلف تماما، ولكن ربما لا يقل أهمية، شهدت "قضية الشرق الأوسط" تطورات مثيرة هذا العام، ربما كان بدايتها مع إعلان ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في كانون الثاني / يناير خطة البيت الأبيض للسلام في الشرق الأوسط، والتي تعرض إقامة دولة فلسطينية، وتعطي في الوقت نفسه الضوء الأخضر لإسرائيل لضم غور الأردن وأراضي المستوطنات اليهودية المقامة في الضفة الغربية. وطوال أشهر، ظل نتنياهو يلوح بتنفيذ الضم، إلى أن تم الإعلان فجأة في آب/ أغسطس عن اتفاق إسرائيل والإمارات على مباشرة العلاقات الثنائية الكاملة بينهما. وأكدت الإمارات في بيانها الرسمي بهذا الشأن على أنه نتيجة لهذا الانفراج الدبلوماسي، ستتوقف إسرائيل عن خطة ضم أراض فلسطينية وفقا لخطة ترامب للسلام، على أن تركز جهودها الآن على توطيد العلاقات مع الدول الأخرى في العالم العربي والإسلامي.

وبعد انطلاق مسار التطبيع، انضم إليه كل من البحرين والسودان والمغرب، وسط تأكيدات من نتنياهو على أن المسار لن يتوقف قريبا وستنضم إليه المزيد من الدول العربية والإسلامية. ويختلف نموذج التطبيع الحديث عن ذلك الذي اتبعته مصر والأردن وتَرَكز بالأساس على إنهاء حالة العداء مع إسرائيل، إذ يقوم النموذج الجديد بصورة رئيسية على توسيع التعاون في قطاعات الاستثمار والسياحة والرحلات الجوية المباشرة والأمن والاتصالات والتكنولوجيا والطاقة والرعاية الصحية والثقافة والبيئة.

انتقال حكيمين إلى دار البقاء..

خلال العام الجاري أيضا، توفي اثنان من القادة العرب، كان مشهودا لهما بالحكمة والسعي للتوسط لحل أزمات المنطقة، فقد توفي السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان عن 79 عاما بعد أن تولى الحكم لنحو 50 عاما، وتولى السلطان هيثم بن طارق الحكم. كما توفي أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح عن عمر ناهز 91 عاما، وتولى الحكم الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح. وقد كان للراحلين جهودا لا تنسى في محاولة تقريب وجهات النظر بين إيران وجيرانها، وبين دول الخليج العربية بعضها البعض.

دمار في بيروت.. وفيضانات في السودان

ومن الأحداث التي أدمت القلوب في 2020 الانفجار الذي هز مرفأ بيروت في آب / أغسطس وتسبب في دمار في أنحاء العاصمة اللبنانية وأودى بحياة نحو 200 شخص. وتباينت تقديرات الخسائر الناجمة عن الانفجار. وأشارت تقديراتٌ للبنك الدولي إلى أنها تتجاوز ثمانية مليارات دولار. وحتى اليوم لا تزال تداعيات الانفجار تلقي بثقلها على الأوضاع الاقتصادية والسياسية في بلد يعاني بالفعل أوضاعا صعبة.

وسيسجل التاريخ لعام 2020 أنه شهد فيضانات واسعة في السودان وصفتها السلطات بأنها "غير مسبوقة" منذ عام 1912، وأسفرت عن "خسائر مفجعة وموجعة في الأرواح والمملتكات". كما شهد العام شطب اسم البلاد من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب.

أفلام نهاية العالم تتحول لواقع في بيروت

كان يوم الثلاثاء (الرابع من آب/ أغسطس 2020) يوماً صيفياً عادياً في تاريخ بيروت حتى دقائق قليلة بعد الساعة السادسة مساء بتوقيت العاصمة اللبنانية، عندما وقعت كارثة تشبه مشاهد أفلام نهاية العالم: انفجار مروع في "العنبر رقم 12" بمرفأ بيروت "كان يتم فيه تخزين نحو 2750 طناً من مادة نترات الأمونيوم منذ ست سنوات دون إجراءات سلامة" حسب رئيس الوزراء حسان دياب.

سحابة عيش الغراب المرعبة

رغم أن الانفجارات في بيروت ليست شيئاً غريباً إلا أن ما شاهده السكان في انفجار مرفأ بيروت أمر لم يروه من قبل. فبعدما شاهدوا سحابة دخان كثيف وقع الانفجار الذي هزّ كل لبنان وصولاً إلى جزيرة قبرص على بعد 200 كيلو متر، وظهرت في مكان الانفجار سحابة عيش الغراب، التي ترتبط في الأذهان بالانفجارات النووية، مثل السحابة التي علت سماء ناغازاكي بعد إلقاء قنبلة نووية عليها في أغسطس/ آب 

تحذيرات منذ 2014

إنه "كابوس" ليلة صيف، تم التحذير من وقوعه قبل سنوات، فقد كشف القاضي مروان عبود، محافظ بيروت، أن تقريراً أمنياً يعود لـ 2014، حذر من إمكانية حدوث انفجار بسبب تخزين مواد شديدة الانفجار بطريقة لا تراعي السلامة العامة.

بعد الانفجار الذي حول منطقة المرفأ إلى أطلال، عمل رجال الإنقاذ بدعم من عناصر الأمن طوال الليل بحثاً عن ناجين أو ضحايا عالقين تحت الأنقاض. وفي ظهر اليوم التالي يفيد الصليب الأحمر اللبناني أن هناك أكثر من مئة قتيل وأربعة آلاف جريح، وأن فرقه ما تزال تقوم بعمليات بحث وإنقاذ في المناطق المحيطة بالموقع. لكن مهما قيل عن أعداد الضحايا ستبقى معلومات أولية، فالأعداد الحقيقية بحاجة لوقت طويل لحصرها.

دمار شامل وخسائر مادية مهولة

إنه وضع كارثي لم تشهده بيروت في تاريخها، بحسب عبود. فبجانب الخسائر البشرية التي لا تعوض، هنالك خسائر مادية فادحة فقد "تدمر أو تضرر نحو نصف بيروت"، وصرح محافظ المدينة المنكوبة أن "هناك بين 250 و300 ألف شخص باتوا من دون منازل، لأن منازلهم أصبحت غير صالحة للسكن"، مشيراً إلى أنه يقدر كلفة الأضرار بما بين ثلاثة وخمسة مليارات دولار، في انتظار التقارير النهائية للمهندسين والخبراء.

سحابة موت وأطلال وضحايا بالآلاف.. صور مروعة من انفجار بيروت

مستشفيات بيروت لم تعد قادرة

يعاني لبنان من أزمة مالية غير مسبوقة وأوصلت جائحة كورونا المستشفيات إلى أقصى طاقاتها الاستيعابية، وجال مصابون في الانفجار خلال الليل على مستشفيات عدة لم تكن قادرة على استقبالهم. وقال طبيب بمستشفى أوتيل ديو بالأشرفية في شرق بيروت إن عدد الجرحى في المستشفى وصل إلى 500، طالباً عدم إحضار مزيد من المصابين إليها. وأمام مستشفى كليمنصو في غرب بيروت، كان عشرات الجرحى ينتظرون في الخارج إدخالهم لتلقي العلاج.

العالم يعزي ويعرض المساعدة.. لكن كيف؟

بعد الانفجار بدأت دول العالم تعزي لبنان وتهب لتقديم المساعدة، لدرجة أن إسرائيل التي مازالت رسميا في حالة حرب مع لبنان، كانت من أوائل من عرضوا المساعدة. وأرسلت دول بالفعل مساعدات مثل الكويت وهولندا وهناك مساعدات في طريقها لبيروت من دول مثل قطر والأردن وألمانيا وتونس مصر وغيرها، ويتعلق الأمر خصوصا بالمعدات الطبية والمستشفيات الميدانية وفرق انقاذ وانتشال الضحايا، مثل الفريق الذي قررت ألمانيا إرساله.

"السوشيال ميديا" تظهر جانبها الإيجابي

وبالتوازي مع الجهات الرسمية سرعان ما انطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي "السوشيال ميديا" حملات لمساعدة لبنان في محنته. وهنالك منشورات تبادل نشرها مدونون ومغردون داخل وخارج لبنان تتضمن هواتف لأشخاص يعرضون استضافة من فقدوا مساكنهم، وأخرى تدعو للتبرع بالدم والبحث عن المفقودين. إعداد: صلاح شرارة

وتواصلت خلال العام الجهود الرامية لإنهاء الأزمة الخليجية، ويترقب الجميع حاليا القمة الخليجية التي تستضيفها السعودية في كانون ثان/يناير القادم، بعدما أعلنت الكويت مؤخرا أن "الأزمة الخليجية طويت وتم التوصل إلى اتفاق نهائي بين الأطراف الخليجية"، وأنه "سوف يترتب على هذا الاتفاق الدخول في التفاصيل المتعلقة به قريبا".

ورغم انشغال العالم بجائحة كورونا، فإن محاولات إنهاء الأزمات المزمنة في سوريا واليمن وليبيا لم تتوقف، تماما كما لم تتوقف محاولات حل أزمة "سد النهضة" الذي تقيمه إثيوبيا على النيل الأزرق وتخشى مصر من تأثير سلبي له على حصتها من مياه نهر النيل. إلا أن أيا من هذه الملفات لم يشهد تقدما يوحي بنهاية قريبة له. لقد مضى عام 2020 طويلا ومؤلما، وجعل أقصى ما يمكن أن يحلم به المرء في العام الجديد هو احتضان أحبائه أو التمتع بالحياة "بدون كمامة".

ح.ز/ ج.ع.م ( د.ب.أ)

سحابة موت وأطلال وضحايا بالآلاف.. صور مروعة من انفجار بيروت أفلام نهاية العالم تتحول لواقع في بيروت

تصفح أيضا...