الحوار: تغيير الثابت وتثبيت المتغير | البشام الإخباري

  

   

الحوار: تغيير الثابت وتثبيت المتغير

المحامي محمد سيدينا ولد الشيخ

لحوار سنة حسنة تجد لها جذورا في الشورى أما نسخته الموريتانية المسماة ب((الحوار الوطني الشامل)) فهي بدعة لا يعرفها دستور البلاد المكتوب، غير أنها ليست البدعة الوحيدة التي تتحدى ذلك الدستور كما بينا في الحوار التمهيدي وفي مقال بعنوان ((المأمورية الثالثة بين الدستور المكتوب والدستور العرفي)).
الحوار في تطبيقه الموريتاني الجديد أشكل جنسه واستعصى تمييزه على المشاركين فيه وعلى غيرهم، فلا هو تفاوض سياسي بين المعارضة والأغلبية بتصنيفهما الذي جاءت به انتخابات المأمورية الحالية، ولا هو تفاوض مع المعارضة بالمصطلح الجماهيري، وإن كانت زرافات و وحدان من تلك شاركت مشاركة ستكون على حساب مصداقية الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة التي بشرت بمعارضتين مختلفتين كل الاختلاف عن تلك التشكيلات .
ولما أشكل جنس ذلك الحوار وغمت مقاصده ومرجعيته القانونية ومصدر تمويله غير المبوب في الميزانية ازداد صخبا وثابر مبتدعوه ومن شاركوا فيه واتخذوه وسيلة توصلهم لما ظهر وما بطن من مآرب وأطماع بما فيها الدعوة للإصلاح ومحاربة الفساد ، فكان (روما) التي إليها بداية ونهاية كل الطرق في العالم القديم .
هذا البعد الخرافي للحوار جعل البعض يطوعه منبرا لمباحثات سلام في حرب أهلية افتراضية تدور أحداثها في مخيلة العاجزين عن استيعاب دولة متعددة الأعراق لها أفق أشمل من العائلة والقبيلة والعرقية التي شكلت بداية ونهاية وعيهم وأهدافهم الصغيرة التي لا تقبل التعايش مع أي بشر خلقه الله مختلفا عنهم في شيء ، فأقحموا في الحوار مقترحات كثيرة تخدم مشروعهم التشتيتي الانفصالي البائس، إلى حد أنهم اقترحوا تشويه وجه العلم بتقاسيم تشي بما أسروا (... فمسر الخير موسوم به ،، ومسر الشر موسوم بشر ) (نسأل الله السلامة ).
الحوار حضره كل من هب ودب وكان منبرا مفتوحا للخاص والعام وللمهني والسياسي فتلاحمت المتناقضات مشكلة مواضيع هجينة تجمع السياسي بالمهني محققة معجزة تشمل تثبيت المتغير وتغير الثابت ، وهي المعجزة التي لا تبقي ولا تذر نصا دستوريا محصنا من التغيير ولا رمزا له حرمة بقهر من هندسة الاستنساخ التي تغير هيئة المخلوقات ، بينما ثبتت تلك الهندسة ما كان متغيرا ما سمح باقتراح تمديد المأمورية والزيادة في أعمار المتقاعدين أو تأجيل تقاعدهم إلى أجل غير مسمى ، لأن (( الديمقراطية معناها : دوموا على الكراسي )) حسب مقولة لمعمر القذافي الذي كان إماما مقتدى لكثير من علية القوم في موريتانيا اليوم.
وفي ظل هذا الغموض الذي يكتنف أهداف الحوار ومبررات وجوده القانونية والواقعية تظهر وجهة نظر معارضة تقول إن الهدف من الحوار كان سعي أطراف في الأغلبية للحصول على شهادة من المشاركين تفيد وجود خطر يتهدد البلاد حين انتهاء مأمورية هذا وتقاعد ألئك ، فبرحيلهم عند الأغلبية – وليس المعارضة - سيرحل الإنسان الأخير القادر على تحمل المسؤولية العامة وينتهي تاريخ الأغلبية الذي يهمها هي مصيره عكس التشكيلات الأخرى .
أصحاب هذا التصور استشهدوا بمقترحات الأغلبية أثناء الحوار التي تضمنت تخليص النظام الدستوري من جميع آليات المراقبة والمعاقبة ، وهي مقترحات مستغرب تقديمها من أغلبية تريد البرهنة على قدرتها على إدارة نظام مؤسساتي متوازن مستقل عن الأشخاص المعرضين لحوادث الزمن . فهل هناك علاقة الأغلبية والمؤسسات أم أن فقرها لتلك العلاقة حتم عليها تقديم مقترح تشريعا لما هو ممارس واقعيا ؟
الحوار أشكل جنسه حقا فلا هو استطلاع للرأي ولا هو هيئة مستحدثة تفكر للرئيس وتستشرف ما ينبغي عليه فعله ، فلا يستساغ عقلا أن يضع الرئيس نفسه في حضانة و وصاية المتحاورين ليفكروا نيابة عنه وهو متمتع بقواه العقلية ويحيط به جيش من المستشارين ويمكنه معرفة وجهة نظر كل طرف سياسي أو غير سياسي متى شاء .
أما أنا فأعتقد أن رئيس الجمهورية ربما يسعى لتمرير مأمورية ثالثة ولكنه مع ذلك أراد جمع أكبر عدد ممكن من المتخاصمين على طاولة واحدة لتتفجر شحناتهم وترتفع أصواتهم كما تدوي أصوات الذخائر القديمة عندما تتفجر في مهاجعها .

تصفح أيضا...