مدينة من جنون.../ بقلم: البشير عبد الرزاق (رأي حر) | البشام الإخباري

  

   

مدينة من جنون.../ بقلم: البشير عبد الرزاق (رأي حر)

2015-06-12 15:43:00

 

 

البشير عبد الرزاق

لكي تعيش في نواكشوط الجنوبية أو "الجنونية"، لابد أن تكون فضوليا و "حشريا" للغاية، فهذه الولاية الجديدة التي ولدت في يوم حار لأم "ثرثارة" وأب أدمن تدخين "أمنيجه" وشرب الشاي، لا يطيق العيش فيها إلا أولئك السكان الذين وجدوا أنفسهم منذ ولدتهم أمهاتهم عالقين في هذا المكان، فلا هو استطاع التخلص منهم ولا هم اسطاعوا التخلص منه

شيخٌ وقور يتبعه صبي يتلو "سوراته"، وتسأل نفسك كيف يستطيع العجوز أن يسمع ما يقوله الصبي وسط هذه الزحمة، لكنك لن تجد الوقت للتفكير في الجواب، فهناك جمع كبير من الناس تحلق حول شيء ما، تخرج نصفك من السيارة لتستطلع الأمر وتصيح بأعلى صوتك "هذا شنهو؟" ويأتيك الجواب سريعا، ففي نواكشوط الجنونية كل شيء يتأخر عن موعده إلا الأخبار، فهي الوحيدة التي تأتيك حتى وإن لم تطلبها.

"رجل يقول إنه المهدي المنتظر" يجيبك أحدهم دون أن تعرف من هو، ويرتفع صوت آخر من إحدى السيارات المجاورة متنهدا: "كلحمد يكان أتج لاخره مره وحده".

قبل أن تفرج عنك نواكشوط الجنوبية لا بد أن تمر من "كرفور مدريد"، وبسرعة سيبتلعك المكان بزحمته وصخبه ومآسيه التي يوزعها بالمجان على المارين به، متسولون من جميع الأعمار، رجال الأمن بثيابهم المهلهلة وأجسادهم النحيلة وبقايا نعاس الليلة الماضية تتسكع على وجوههم الشاحبة، وشفاههم التي لم تعد تقوى على التصفير، باعة متجولون وسائقو التاكسي يصيحون ويتخاصمون وأحيانا يتعاركون، وخلق عظيم لا تدري ما الذي جاء بهم إلى هذا المكان ولا ماذا يفعلون.

عندما تتخلص من ملتقى طرق مدريد وتصل إلى مقر "الجمارك"، وتنظر في مرآة السيارة ستتضاءل نواكشوط الجنوبية شيئا فشيئا ثم ما تلبث أن تضمحل وتبتلع نفسها وجنونها في صمت حتى لا يبقى منها في الذاكرة، سوى صور لمدينة يقسم الناس كل يوم أنها ستخرج عن طورها، لكنها تفاجئهم دائما.

فنواكشوط هي مدينة تعرف كيف تعود إلى رشدها، كلما بلغت ذروة جنونها.

تصفح أيضا...